سيريزا يسعى لحل الازمة المالية التى تمسك بخناق اليونان بعدما رفض البرلمان اليوناني مرشح الحكومة لرئاسة الجمهورية، اضطرت البلاد إلي الدعوة لانتخابات مبكرة ينتظر اجراؤها في 25 يناير الجاري، حيث يتصدر حزب سيريزا اليساري المتطرف استطلاعات الرأي في ظل رغبته في اعادة التفاوض حول شروط الديون التي قدمتها دول اليورو لأثينا والبالغة 205 مليار يورو. ويتخوف الكثيرون من احتدام الصراع بين دول منطقة اليورو وحكومة بقيادة ائتلاف سيريزا حول تخفيف عبء الديون وإنهاء حالة التقشف وهو ما يمكن ان يعيد احياء حالة الفزع التي كادت تقضي علي اليورو في عام 2012، كما يمكن ان يضطر اليونان للخروج من تجمع العملة الاوربية الموحدة (اليورو) الذي يضم 19 دولة. ورغم هبوط مؤشرات البورصة اليونانية والارتفاع الكبير في تكلفة التأمين علي الدين إلا ان فوز سيريزا في الانتخابات المقبلة قد لا يكون كارثة لأوربا وإنما يمكن اعتباره خطوة ضرورية باتجاه حل الأزمة المتصاعدة منذ 2009، وفقا لتقرير بمجلة فورين بوليسي الأمريكية كتبه فيليب ليجرين المستشار الاقتصادي السابق لرئيس مفوضية الاتحاد الاوربي. ومن المعروف ان الناخبين غاضبين من رئيس الوزراء انطونيوس ساماراس وائتلافه الحكومي الذي نفذ اجراءات التقشف القاسية التي طالب بها الاتحاد الاوربي وصندوق النقد الدولي منذ تسلمت أثينا اولي دفعات الانقاذ المالي في 2010، حيث عاني اليونانيون من ازمة اقتصادية حادة وانكمش الاقتصاد بمقدار الربع، والعديد من العمال اصبحوا لا يتلقون الرواتب، وأصبح واحد من كل 4 يونانيين عاطلا، وأيضا واحد من كل شابين بلا عمل، كما تمزقت مظلة الرعاية الاجتماعية بعدما شطبت العديد من العائلات من سجلاتها، وتوافدت الحشود علي بنوك الطعام ومراكز تقديم الاعانة، كما عانت المستشفيات من نقص الأدوية حتي ان مرض الملاريا عاود مهاجمة المواطنين. ويصر صناع السياسة في منطقة اليوروعلي ان اليونانيين هم المسئولون عن الأزمة التي يعانونها وان "العلاج المر" الذي يقدمه سياسيو اوربا يحقق نتائج ايجابية، إلا ان هذا لا يبدو صحيحا، فعلي الرغم من تمادي الحكومات اليونانية في منح الوظائف والمزايا الاجتماعية لانصارهم السياسيين وتزايد التهرب الضريبي، فان 15% من الدين اليوناني تم اقتراضها خلال 2009 وحدها، كما ان الاقتراض اليوناني المتهور تم تمويله من جانب دائنين متهورين ايضا، في البداية بنوك فرنساوالمانيا الذين اقرضوا أكثر من اللازم، كما لو أن الموقف الائتماني لليونان قوي مثل المانيا، وذلك بتشجيع من قوانين البنك الاوربي المركزي للاقراض التي تعامل السندات السيادية علي انها خالية من المخاطر، ومع الوقت عزلت اليونان عن الأسواق في 2010، بينما كان الدين البالغ 130% من الناتج القومي لا يمكن تسديده، وبالتالي يجب اسقاطه بحسب ما اعلنه صندوق النقد الدولي لاحقا، وبذلك تصبح اجراءات التقشف أقل حدة والركود يكون أقصر، ولكن لتجنب خسارة البنوك الفرنسية والألمانية، ادعي زعماء السياسة الاوربية بقيادة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بان اثينا تمر بفترة مؤقتة من المصاعب التمويلية وانتهكوا بذلك المواثيق الاوربية التي تمنع حكومات اليورو من انقاذ اقرانها، حيث اقرضت الحكومات أموال دافعي الضرائب للحكومة اليونانية المتعسرة، وهو ما كان ظاهريا بغرض التضامن معها ولكن في الحقيقة كان لانقاذ الدائنين (البنوك الفرنسية والألمانية) وفي النهاية فان اليوناني الفقير ظل سجينا للديون، وبينما حققت البنوك الاجنبية خسائر بسبب ضمانها للسندات اليونانية في 2012، فان الدائنين الاوربيين نزفوا كثيرا بسبب الجفاف الاقتصادي لليونان وهو ما دفع بنوك منطقة اليورو للمشاركة في المسئولية عن الأزمة اليونانية، كما ان سياسيي منطقة اليورو والنخب اليونانية يتحملون اللوم ايضا علي استمرار المعاناة التي لحقت باليونانيين، ولذلك فان سياسات حزب سيريزا اليسارية في طلب تخفيف عبء الدين من الاتحاد الاوربي هو اتجاه شائع داخل المجتمع اليوناني. وعلي عكس الدعاية التي يروجها الاتحاد الاوربي وحكومة ساماراس فان اليونان لم تتخط الأزمة، رغم نمو الاقتصاد بنسبة 1.9% في الربع الثالث من 2014، الا ان البطالة لاتزال متصاعدة. ومع توقيع الحكومة عقودا طويلة الاجل مع المستثمرين فان ساماراس يري ان اثينا بامكانها تمويل نفسها والهروب من المأزق الاوربي عبر الاستثمارات عندما ينتهي قرض الاتحاد الاوربي في فبراير المقبل. وحتي في ذروة الانتعاش باسواق منطقة اليورو الصيف الماضي قبل جمود الاقتصاد الالماني فان المستثمرين الذين يبحثون عن الربح السريع لم يبدوا رغبة في اقراض الحكومة اليونانية، وتوترت الاجواء بين اليونان والمستثمرين حتي قبل ان يبدو أن سيريزا علي وشك تسلم الحكومة. الدين الحكومي اليوناني يبلغ الآن175% من الناتج القومي وسيطر الانكماش علي الاقتصاد كما أن عبء الدين يزداد حتي في ظل السيناريوهات المتفائلة عن النمو ومعدلات الاستثمار والتي تتطلب ايضا سداد دفعات كبيرة للدائنين وفقا للتوقعات. وبدون تخفيف عبء الدين فان الاقتصاد سيظل متعثرا، حيث لن يصل الاقتصاد لمعدلات النمو التي حققها في 2008 سوي بحلول عام 2030 حتي في حالة حدوث وثبة اقتصادية كبري، كما أن المطالب الاجتماعية محبطة بسبب اعباء الديون، والعجز التجاري يتزايد والنظام البنكي سيئ وبالتالي فلا عجب ان المستثمرين لا يضخون اموالا. وبعيدا عن كل الاحاديث عن الاصلاح الاقتصادي فان اولوية الاتحاد الاوروبي الآن كعلاج للأزمة اليونانية هي التقشف وتقليل الرواتب، بينما يظل الفساد وارتباط النظام السياسي اليوناني برجال الاعمال يحكم قبضته علي السوق، والاغنياء مازالوا لا يدفعون الضرائب، كما ان اعادة انتخاب ساماراس وحزبه الديمقراطي لن يغير شيئا من ذلك. لا احد يعرف كيف سيتصرف سيريزا في الحكومة، في ظل وجود الكثير من قياداته في اليسار المتشدد رغم ان زعيمه اليكسس تسيبراس «40 عاما» يحاول التخفيف من حدة خطابه وسياساته. وكان سيريزا قد التزم بعدة التزامات منها دفع المعاشات طويلة الاجل وهو ما يبدو غير واقعي، كما ان الائتلاف اليساري يبدو عازما علي اجبار رجال الاعمال علي دفع الضرائب وضبط التدليل الزائد لهم، بدلا من الدخول معهم في مواجهة، ولكن تحركات تسيبراس تضعه في رهان مع النظام السياسي المالي في اليونان، والذي قد يتبع سياسات سيريزا الذي يظل الحزب الذي يقدم افضل الامال لليونان. ويؤكد تقرير فورين بوليسي علي ان ميركل اذا كانت حكيمة فعليها ان تعرض تخفيف عبء الديون علي اليونان، وعليها معرفة ان منطقة اليورو اذا انهارت فان المانيا ستلام مجددا علي افساد اوربا، حيث يمكن لميركل ان تعود للتاريخ وتتذكر اسقاط ديون ألمانياالغربية عام 1953 عبر اتفاق لندن، كما يمكنها وضع خطة مارشال جديدة للاستثمار في اليونان،ولكن كل ذلك مستبعد بسبب ما فعلته ميركل مع الدائنين من القطاع الخاص لليونان في 2010، كما ان دافعي الضرائب الالمان سيخسرون كثيرا اذا توقفت اليونان عن سداد ديونها، بالاضافة إلي ان برلين لا ترغب في تشجيع الاخرين وخاصة ايرلندا علي طلب تخفيف عبء ديون اقترضوها من الاتحاد الاوربي. ونتيجة لكل ذلك فان اليونان تحتاج إلي ان تقف بنفسها وتطالب بالتفاوض حول اسقاط جزء من الديون، خاصة ان اثينا لديها فائض أولي كبير وبالتالي لن تحتاج للاقتراض اذا توقفت عن دفع أقساط خدمة الدين، كما ان حزب سيريزا اكد انه لن يسقط الديون المستحقة للقطاع الخاص، وبالتالي فان السيناريو الارجنتيني في التوقف عن سداد الديون ليس مطروحا، خاصة ان السندات الموضوعة في البنوك اليونانية لم تمس، وفي المقابل فان الضغوط الألمانية لاخراج اليونان من منطقة اليورو تظل مجرد تهديدات لان برلين ليس لديها الحق القانوني في منع اليونانيين من استخدام عملتهم، ورؤساء البنوك المركزية الاوربية سيخشون من انهيار منطقة اليورو، وبالتالي فان تسيبراس يحتاج فقط إلي التحكم في مطالبه وتثبيت شعبيته، وهو ما يعد ضروريا لان الاستمرار في سياسة "الأمان" التي اتبعها ساماراس ستدفع باليونان إلي استمرار المأساة.