الست «صيصة» : أخرج إلى الشوارع أصول وأجول يلازمنى الجلباب البلدى والعمامة ولا أحد يعلم سرى إلا الله حكاية الست «صيصة» تكاد تكون ملحمة إنسانية تعبر بشموخ عن قوة المرأة المصرية.. كل مافيها ينبض بالحياة والقوة في سبيل طلب الرزق الحلال الذي كفاها ذل المسألة والعصمة من الشيطان... هي امرأه بمائة رجل كما يقول كل من يعرفها أو يستمع لقصة كفاحها حيث وهبت حياتها كلها لابنتها هدي قبل أن تأتي إلي الدنيا ورفضت أن تتزوج بعد وفاة زوجها الذي توفي وهي حامل في الشهر السادس.. يومها لم تجد الست صيصة أبودوح النمر وسيلة لتعيش حياتها وتنفق علي نفسها وعلي وليدتها التي لم تزل وقتها جنينا في أحشائها إلا الخروج إلي العمل من أجل كسب لقمة عيش . ورغم أن المجتمع الصعيدي وقتها كان يفرض الكثير من العادات والتقاليد التي ترفض عمل المرأة... وأغلقت كل الطرق في وجهها فلم تجد بدا من ارتداء ملابس الرجال وتنكرت في زيهم.. الجلباب الصوف والشال والطاقية واقتحمت كل أعمالهم لم تمنعها أناملها الرقيقة من العمل في صناعة الطوب داخل مقابر القرية من أجل لقيمات تقمن صلبها وصلب ابنتها وقالت إن العمل وإن كان شاقا إلا أنه يحفظ لي كرامتي ويكفيني مذلة السؤال . كان ذلك منذ مايزيد علي اثني وأربعين عاما هي عمر وحيدتها هدي أحمد كامل التي فرغت حياتها كلها لها ولم تشأ أن تأتي لها ب «زوج أم « لا يراعي فيها الله, فالحياة في نظرها لا تساوي مسحة حزن أو قضبة جبين للست هدي كما تحب أن تطلق عليها واستمرت الست صيصة في عملها تتنقل بين أعمال الرجال الشاقة وعملت في كل شيء حتي أعمال المعمار وحمل «قروانة الأسمنت المسلح وأعمال الحفر وهي الأعمال التي ينوء بحملها أعتي الرجال وبالرغم من أن يوميتها كانت زمان ربع جنيه كما تقول لي الست صيصة إلا أنها استمرت في العمل وأضافت بمنتهي الفخر أن الأعمال التي لا تقصم الظهر تقويه وقالت إن سعادتي كانت تتجلي يوم أن أعود لابنتي بكل ما تشتهيه قلت وهل تعرضتي لأي مضايقات في حياتك قالت يووه كتير قوي بس أن كنت أضرب المتنطعين بالروسية وأعرف كيف أضعهم عند حدهم . واستطردت الست صيصة رفضت أن أمد يدي إلي أي إنسان حتي كبرت وحيدتي وتزوجت ورزقها ربنا الكريم بخمسة من الصبية هم أحمد وعبيد وسعدي وعزب ومحمد بعدها تصورت أنه قد آن لي أن أستريح ولكن فجأه سقط زوج ابنتي صريعا لمرضه وأصبح ملازما لسريره لا يقوي علي الحراك وأصبحت ابنتي وأطفالها الخمسة في كنفي فخرجت للعمل مرة اخري ولكن في هذه المرة كان عملي بصندوق مسح الأحذية أحسست أنها مهنة بسيطة وغير مرهقة وتكفي عن ذل السؤال وبالفعل أعدت صندوق الورنيش وأنا في سن متقدمة ولا زلت أعمل به حتي الآن رغم سنوات عمري التي تجاوزت ال64 عاما من أجل الإنفاق علي ابنتها وزوجها وأبنائها الخمسة . وعن حياتها اليوميه تقول أستيقظ مبكرا قبل الفجر بساعة أصلي وأخرج حاملة صندوق مسح الأحذية للبحث عن الرزق وأعود قبل العشاء لأنام مبكرا وأضافت بالتأكيد أن صحتي لم تعد كما كانت من قبل إلا أنني أمام ستة أفواه مفتوحة فأخرج إلي الشوارع أصول وأجول يلازمني الجلباب البلدي والعمامة ولا أحد يعلم سري إلا الله الذي منحني صوتا كصوت الرجال اكتسبته من خلال عملي في «دق» الطوب اللبن تقصد إعداده والمعيشة في القرافة جبانة أحمد عربي بالجبل ولايزال القالب الذي ربي ابنتي موجودا وتستطرد بلغة لا ينقصها الصدق وبعد ماتعبت من الطوب بدأت أشيل وراء البنائين بال «قروانة» كل دا عشان أحافظ علي ابنتي من التشرد ودا طبعا أكسبني احترام كل الناس واتخذت من أحد المقاهي مقرا لي لأمارس آخر أعمالي وهو مسح الأحذية فنلت احترام كل الناس وكان حلمي أزور قبر النبي صلي الله عليه وسلم فوجدت من أهل الخير من يهدي لي عمرة ولم يقف الإحترام عند المسلمين بس فقد كان لي صداقات من الأقباط وكنت عندما أطلي حلق ذهب للبنت يعطيه لي الأخ إدوار وأخيه فوكيه أولاد أبو ستة والحاج عبد الهادي العماري أطلق علي لقب الأم المثالية هم يحبونني لإنهم عارفين إني «رجيله» !! وأضافت كمان إحدي الجمعيات لما عرفت بحالي أحضرت لي كشك ووضعت فيه شويه بسكوت وعصائر لكن مكسبه ضعيف جدا وكمان المحافظ ربنا يبارك له أعطاني ألفي جنيه وضعتهم في الكشك لكن المصيبة إن زوج ابنتي يحتاج علاجا شهريا بمبالغ كثيرة غير مصاريف العيال لكن أنا ثقتي في الدولة كبيرة جدا . قلت للسيدة والآن ماذا تريدين؟! قالت أنا كل اللي عايزاه دلوقتي معاش لزوج ابنتي غير القادر علي العمل أنا عايزاه يقبض وبيت صغير يلمنا كلنا حيث إننا متفرقون ولو عملتوه سأدعو لكم ولو لم تفعلوه سأدعو أيضا لكم . محسن جود