حدث هام تشهده القاهرة الآن، وفد شعبي أثيوبي يضم ستا وستين شخصية من جميع مجالات الحياة في هذا البلد المهم، رجال دين، رئيس البرلمان، شخصيات رياضية منهم أسرع عداءة في العالم، ملكة جمال أثيوبيا، وللتوضيح فإن الملكة نفرتيتي أصولها من الحبشة، وأنا من المبهورين بالتمثال النصفي الناقص، الذي لم يكتمل والمحفوظ في المتحف المصري، وهذا أجمل بكثير من التمثال المكتمل في برلين، ولكنه في القاهرة معروض بطريقة لا تبرز جماله، في إحدي البلدان إلتقيت نساء أمهريات، القومية الرئيسية في الحبشة، فوجئت بإحداهن، كانت نموذجا يسعي لنفرتيتي، الوشائج بين مصر والحبشة قوية، مصيرية، عمادها نهر النيل، ومنذ العصور القديمة، كان الحكام من الفراعنة إلي سلاطين المماليك وحتي جمال عبدالناصر يدركون مصيرية الصلات، في العصر المملوكي كانت بعض الازمات تنشأ والسبب احداث طائفية يثيرها المتعصبون ضد الاقباط، حدث ذلك في عهد الناصر محمد بن قلاوون، عندما أحرق عدد من الكنائس، أرسل نجاشي الحبشة غاضبا، ورد السلطان بإرسال سفارة من كبار الامراء يشرح له الظروف، والمعروف أن كنيسة الحبشة تتبع الكنيسة المصرية القبطية، وكان بطريرك الحبشة يرسم من البابا في مصر، إلي أن استقلت الحبشة في السنوات الاخيرة بعد أزمة دير السلطان في القدس، ولكن الاواصر ماتزال قوية، كان حكام مصر يحرصون علي وجود علاقات قوية مع الحبشة، حتي تولي السادات الحكم وبدأت الازمات تتولي مع هجومه علي النظام الماركسي الذي أسسه مانجستو ماريام، نلاحظ هنا أن عبدالناصر الراديكالي كان حريصا علي ابقاء العلاقات قوية مع امبراطور الحبشة هيلاسلاسي، وهو الملك المحافظ، كان مبدأ عدم التدخل في شئون الحبشة استراتيجيا منذ عصور الفراعنة وصولا إلي عبدالناصر، السادات أخل بالمعادلة، وزاد الامر سوءا مع وقوع حادث التسعينات والذي أستشهد فيه اثنان من رجال الأمن الاثيوبي وهم يتصدون للقتلة الذين حاولوا اغتيال مبارك، توترت العلاقات إلي حد غيرمسبوق بعد ثورة يناير، إلي أن تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الأمور وحرص علي التهدئة خاصة فيما يتعلق بسد النهضة وأن يكون الحوار علميا، رصينا، بما يحقق مصلحة البلدين، سافر وفد شعبي إلي إثيوبيا، وعدد من رجال الاعمال الجادين، ورأس القديس مجدي يعقوب بعثة طبية، تواكب هذا مع وجود سفير رائع خيرة أبناء الدبلوماسية المصرية ، محمد أدريس ، إنه نموذج لامتزاج الثقافة بالدبلوماسية . كان معظم السفراء الكبار يتمثل فيهم ذلك، وممن عرفتهم د.أحمد ماهر، وعلي ماهر، وأحمد أبو الغيط ، وأشرف راشد، ومحمد شعبان، وحاتم سيف النصر، وسامح شكري، وبالطبع ناصر كامل الذي يقوم الآن بسفارة مصر في لندن، وماجد عبدالفتاح، ومن قبل ومن بعد أسامة الباز الذي نحتاج إلي مثله الآن بشدة، عرفت محمد أدريس في اللاذقية بداية التسعينات عندما كان قائما بأعمال السفارة في دمشق، جاء ليستمع إلي محاضرة ألقيتها عن الشيخ الأكبر ابن عربي، ثم انتقل إلي نيويورك وكان معظم وقتنا موزعا في المكتبات، عندما بدأ مهمته في أديس ابابا قرأ كل كلمة عن اثيوبيا، تاريخها ، فنونها، أدبها وما يتعلق بالنهر الذي يصلنا، بدأ جهدا فائقا، وكان أهم ما يعنيه تعميق علاقة الشعبين، هذا الوفد الموجود الآن في القاهرة انتصار هام لمصر الجديدة التي تقوم علاقاتها علي التوازن، إنه انتصار كبير للدبلوماسية المصرية، واتمني اهتماما اعلاميا لائقا، وأن تعمل الدولة معه كفريق يكمل بعضه بعضا، من أجل صالح الشعبين.