ولاينبغي لتوجهنا نحو الشرق، أن يكون بديلاً للتعاون مع الغرب، إنما يأتي موازياً ومكملاً لحاجتنا في التعاون مع القوي الناهضة تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً خيارات الدول غالباً ماتحكمها رؤي سياسية وتوجهات استراتيجية, وهي لاتقبل التردد, إذ الرهان علي المستقبل يكون محفوفاً بالمخاطر لو غامرت بوضع البيض كله في سلة واحدة, فلا هذا آمن بدواعي الحرص علي الحاضر, ولا هو محمود بضرورات التخطيط للمستقبل, شئ من هذا حدث منذ اتخذ الرئيس السادات خياره نحو الغرب, ومهما كانت مبرراته وسياقاته التاريخية والسياسية, إلا أن محصلة هذا التوجه والذي استمر مع نظام مبارك أدي إلي ارتهان القرار السياسي المصري بمصالح الغرب المتشابكة والمتباينة بالضرورة مع المصالح المصرية والعربية, ولقد استبان لنا مع الوقت أن هذا الخيار لا يصمد أمام الرؤية الطموح التي يتبناها النظام المصري الجديد بعد ثورتي يناير ويونيو وحجم الضغوط الدولية التي نتعرض لها في ظل عالم ال MONOPOLE أحادي القطبية الذي تتسيده الولاياتالمتحدةالأمريكية وتدور في فلكه دول الإتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية, والتي غالباً لاترضي عن توجهنا نحو استقلال القرار المصري, وتدس أنفها وأصابعها في الشان الداخلي محاولة تطويعنا وتحجيم دورنا الإقليمي والدولي, وإدخالنا بيت الطاعة الأمريكي طوعاً أوغصباً, وعلينا أن نعترف للإدارة المصرية بقدرتها الفائقة علي إدارة الأزمة بكفاءة نادرة حافظت علي قدر من اتزان القرار المصري رغم ما فرض علينا من ضغوط وماشن علينا من حروب, استهدفت جيشنا الوطني وتعطيل مشروعاتنا التنموية وتعجيزنا عن حسم معركتنا مع الإرهاب. وكعادة المصريين في مواجهة أزمات المصير جاءت المبادرة المصرية بالهروب للأمام في تخطيط استراتيجي ذكي بتدشين مشروعات عملاقة وحشد طاقات المصريين الذين تلقفوا المبادرة بوعي نادر وتمويل سخي, وجاءت زيارة رئيس الجمهورية لروسيا في إطار تنويع مصادر السلاح, ومشروعات تنموية وصناعية نتمني أن تتعمق أواصرها بفتح آفاق جديدة للتعاون مع الشرق. ولا ينبغي لتوجهنا نحو الشرق, أن يكون بديلاً للتعاون مع الغرب, إنما يأتي موازياً ومكملاً لحاجتنا في التعاون مع القوي الناهضة تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً مثل روسياوالصين وكوريا والهند والبرازيل, وجميعها أعضاء في نادي العشرين الكبار G20, وهي قوي نافذة في النظام العالمي وقد بدأنا معهم بعد زيارات الرئيس للسعودية وإيطاليا وفرنسا في شراكات استراتيجية ينبغي تعميقها والبناء عليها. وربما يساعد تعميق تعاوننا معها علي الاتجاه شرقاً لاباعتباره نقطة توازن استراتيجي فحسب وإنما محور إرتكاز تنموي يسمح بتنوع المصادر قدر تنوع المشاركات والأدوار, وربما يخلق لنا تواجداً دولياً يحقق طموحنا في الاستقلال وتوظيف إمكاناتنا الجيواستراتيجية لصالح دور مصري فاعل في الإقليم قدر فاعليته الدولية. لقد تغيرت العلاقات الدولية مؤخراً تغيراً نوعياً سمح بنمووتكتل دول صاحبة أعلي معدلات نمو اقتصادي فتشكلت مجموعة ال PRICS من البرازيلوروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا, وتكون في مجموعها ربع مساحة العالم و40% من سكانه, وتعد عنصراً فاعلاً ومؤثراً دولياً اقتصادياً وسياسياً وجيواستراتيجياً, يمكن بانضمام مصر إليها أن تضيف بعداً جديداً في إطار تخليق عناصر فاعلة للدور المصري في النظام العالمي الجديد الذي تبزغ عناصره يوماً بعد يوم, والذي حتماً مع تنامي دور هذه الدول العملاقة أن يعمل علي توازن الخلل الطارئ علي النظام الدولي القديم. التوجه شرقاً لم يعد ترفاً خصوصاً بعد الحرب الأمريكية الأوروبية شبه المعلنة بالعقوبات علي روسيا وحتي الخليج العربي بضرب أسعار النفط لتأخير مشروعات التنمية في الشرق والتي حتماً ستؤثر في معدلات التنمية المصرية بضعف التدفقات المالية من الخليج, ويمكن لمصر استعواض ذلك بإمداد روسيا بالسلع التي منعتها العقوبات عنها, بل والتوسع في شراكات زراعية تصنيعية تكنولوجية تضخ الحياة لآلة الاقتصاد المصري لتتحول إلي شريك دولي منافس يمهد لعضويتها في تجمع البريكس بالتوازي مع تنمية دورها في الكوميسا والمحيطين الحيويين, الأفريقي والأورومتوسطي. أما النموذج الصيني الذي اتسعت آفاقه السياسية لتغيرات العصر الليبرالية وآليات السوق الرأسمالية مع التمسك بثوابتها الأيديولوجية في التنظيم والإدارة وحوكمة الشركات والمؤسسات والحفاظ علي ثبات بنيتها الاجتماعية, فيعد مثالاً علي تحقيق الاستفادة من نظام التجارة العالمية WTO ويفرض شروطه للتنمية المستدامة والتقدم التكنولوجي ليصبح ثاني قوة اقتصادية تمثل شراكتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية عنصر ضمان وثبات لاستقرار النظام المالي والاقتصادي العالمي كما بشهادة تقرير «مايكل سبنس» الأمريكي حائز نوبل الاقتصاد 2001, والذي جاء فيه «إن السنوات العشر المقبلة ستتميز بتعديلات بنيوية كبري وتحولات ضخمة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي ككل,وأن الكثير سيتوقف علي السياسات المتبعة في أضخم دولتين اقتصاداً علي الإطلاق, الصينوالولاياتالمتحدة, ومدي تعاونهما». إذن توجه الرئيس نحو الصين بحثاً عن شراكة تنموية, اقتصادية تكنولوجية عسكرية سيمثل نقلة نوعية تفيد من معطيات الحاضر واحتمالات المستقبل. ولقد زرت الصين وكوريا مرات عديدة, وكنت شاهداً بنفسي علي التعاون الصيني والكوري في إطار نقل وتوطين التكنولوجيا, إذ كنت لوقت قريب رئيساً للمدينة العلمية التكنولوجية ببرج العرب, وكانت تسمي مدينة مبارك للبحوث العلمية والتطبيقات التكنولوجية, وكنت وزملائي بالمدينة نقوم بتحويلها لأول واد للعلوم والتكنولوجيا في مصر مع منطقة استثمارية في العلوم والتكنولوجيا بمساعدة اليونسكو, وأسسنا مراكز للتميز العلمي في الطاقات الجديدة والمتجددة, والنانوتكنولوجي, والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية, وتكنولوجيا المعلومات,وعلوم وتطبيقات الليزر ثلاثي الأبعاد, وحاضنات تكنولوجية ومراكز للإبداع العلمي ومشروعات دولية ومحلية, وكان لابد من العمل مع الدول المتقدمة علمياً وصناعياً, وكان نقل وتوطين التكنولوجيا واحداً من مشروعاتنا المهمة, ورغم شهادة المؤسسات الدولية العلمية لصالح إنجازنا العلمي والتفوق الذي حازته المدينة العلمية في نهضة شاملة شهد بها الغرب وتبوأنا بفضلها مقاعد متقدمة في المؤسسات الدولية والأورومتوسطية وتوالت براءات الاختراع والنماذج الصناعية الأولية PROTOTYPES, إلا أنهم ترددوا وماطلوا في محاولتنا لنقل وتوطين التكنولوجيا, ولم يعمل معنا ويساعدنا بكل إخلاص وتواضع في هذا الإطار إلا الصين وكوريا الجنوبية. وعليه نري أن التوجه شرقاً خيار استرايجي في ظل التعقيدات العالمية حولنا.