أنا فتاة عمري 02 عاماً، أدرس بإحدي الكليات المرموقة، وأعيش في مستوي اجتماعي ومادي مرتفع ولله الحمد، لي أخت معيدة وأخ طالب بالجامعة، ويعمل في الوقت ذاته. ربما تسألينني وأين مشكلتك؟ فالصورة تبدو وردية من الخارج، أما من الداخل فهي ممزقة وقاتمة، نعم سيدتي.. فأبي يعمل مهندساً معمارياً بإحدي دول الخليج، ووالدتي موظفة حكومية، لكن العلاقة بينهما علاقة مادية بحتة. هو يعيش منذ ربع قرن في الغربة بعيداً عنا، ونحن نعيش في غربة أخري لكن داخل الوطن، فالمشاكل بين أبي وأمي كلها بسبب المال، والمراسلات بينهما ليس بها إلا هذا الموضوع، والخلافات حول طلب أمي لزيادة المبلغ الذي يرسله إلينا شهرياً نظراً لارتفاع أسعار كل شيء، ورفض أبي وعناده وعشقه للمال الذي يفوق حبه لنا. تصوري سيدتي أنه يقول لي: يجب أن تجهزي نفسك عندما تتخرجين وتتحملي مصاريفك، وكذلك فإن أبي »يسممنا« بالمال الذي يرسله وكأنه ليس مسئولاً عن هذه الأسرة، أو أننا »عالة« عليه يتمني أن يتخلص منها. وكان أبي دائم الخلاف مع شقيقي الأصغر بسبب مشاكل اكتشفها في الكلية، لكنه غيّر موقفه من أخي عندما بدأ يعمل ويكسب مالاً، وأظهر له الود حتي يستحوذ علي المال الذي يكسبه. أنا لا أعرف حقيقة ماذا يريد أبي، فلديه مال وفير ومع ذلك لا يريد أن ينفق علينا. ليست هذه مشكلتي الوحيدة التي أرسلها لك، لكن المشكلة الأخري التي تؤرقني الآن هي أنني أحببت شاباً يكبرني بعام، يدرس بنفس كليتي لكن ظروفه الاجتماعية والمادية أقل مني بكثير. أخبرت أمي وأخي فرفضا هذا الارتباط بسبب الفارق الكبير في المستوي، وقالا لي إنني لن أستطيع العيش في مستواه، ومع ذلك فإنه الوحيد الذي تقدم لي، كما أنني أريد أن أهرب من جحيم أبي في البيت. ماذا أفعل؟ هل أتزوجه وأحاول العيش في مستوي أقل؟ أم أن مصير هذه الزيجة هو الفشل؟ المعذبة »ك« الكاتبة: لقد أثرتي شجوني يا آنستي العزيزة، فهؤلاء الآباء من نوعية والدك يظلمون كثيراً المعني الجليل للأبوة.. تلك العاطفة المفعمة بالحب، المتدفقة بالعطاء. وبكل أسف انزلق والدك إلي هاوية عشق المال، وأهمل أسرته وأولاده، وتحولت الحياة في نظره إلي رقم يحاول دائماً أن يجعله أكبر. هذا النوع من البشر يظلمون أولادهم ويظلمون أنفسهم لأنهم ينظرون إلي المال باعتباره غاية في حد ذاته، مع أن المال وسيلة وليس غاية.. وسيلة لتيسير الحياة، وتوفير المتطلبات الأساسية للإنسان حتي يستطيع أن يحقق أهدافه. وقد وقعت أنت وإخوتك ووالدتك ضحايا لعشق الوالد للمال، وفقدانه البصيرة التي تفوق فقدان البصر، لذلك تتساءلين: لماذا لا يتقدم أحد الشباب لخطبتك.. إنه سؤال وجيه وقد أجابت أختك عليه، لأن الشباب يخاف من تلك الصورة التي رسمها والدكم.. صورة المظهرية والمباهاة لاكتناز المال بلا هدف. أما فيما يتعلق بارتباطك بالشاب فإنني لا أحبذ أن يتم هذا الارتباط لأنه غير متكافئ، وسوف يتسبب في الكثير من المشاكل فيما بعد، أهمها إحساس الطرف الأقل بالدونية، وهذا الإحساس يدفعه إلي محاولة إثبات الذات بصورة مبالغ فيها، وتجعله بصورة لا إرادية يدفع الطرف الأقوي إلي الخلف، حتي يثبت لنفسه وللآخرين أنه الأقوي والأفضل. تجنبي الارتباط غير المتكافئ، وحاول أن تحدثي في حياتك التوازن النفسي الذي فشل والدك بكل أسف في أن يحققه.