«لو ركبت قطار الاسكندرية واكتشفت بعد قليل أنك في قطار أسوان.. هل تنزل وتبدل وتعود أم تقول غافلين: اسوان اسوان طالما ان القطار مريح؟!» أعظم شعور يصادف الانسان في الحياة ان يشعر بأنه ضيف علي هذه الدنيا وأنه سريعاً ما يغادر إلي حياته الحقيقية الطويلة والممتدة بلا نهاية وبالتالي يجتهد لينعم بما أعده الله فيها للصالحين.. وأسوأ شعور أن يظن انه باق في الدنيا وأن الموت الذي يراه يخطف الناس من حوله لن يقربه وإنما هو موت كل الآخرين إلا هو فتراه يرتب لحياته ويعتني بها ويخطط لسنوات كثيرة قادمة بثقة وكأنه سيعيش ابداً وهذه هي الطامة الكبري لانه باع الآخرة واشتري بها ثمناً قليلاً.. سنوات من عمره! وأعظم هدف يضعه الانسان لنفسه وهو يعيش هذه الدنيا هو أن يدخل الجنة فيستفيد من منحة الحياة التي وهبها الله له في الاستعداد لها مهما كلفه ذلك من تضحية ببعض الشهوات والملذات الصغيرة. اما اسوأ هدف فهو ان يجعل هذه الشهوات نفسها هدفاً يتمناه ويبذل عمره لتحقيقه فيجتهد في جمع المال والنفوذ والقوة والعزوة ويستمتع بمباهج الحياة ولذائذها ولا يسمح لاحد بأن يعكرله صفوها. فمثل هذا الانسان يعطيه الله الدنيا التي طلبها وأكثر ولكن يحرمه من ثواب الآخر.. وأنظر ماذا يقول الله فيه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة هود آية: 15-16]... ولاحظ أن الله يقول من «كَانَ يُرِيدُ» وليس من كان يملك.. فالمهم هو الارادة القلبية.. أي ان يكون هدفك وسعيك وجهدك لتحصيل دنيا يأنس ويفرح لها قلبك.. هذا هو الخطر العظيم.. ولاحظ أيضاً أن هؤلاء الذين قال الله أنهم من أهل النار كانت لهم أعمال طيبة ولكن الله احبطها وابطلها وجعلها رماداً بلا قيمة ولا يثاب الانسان عليها بسبب الجريمة التي ارتكبها وهي حب الدنيا والاقبال عليها والزهد في الآخرة!! وتصور لو أن رجلاً بلغ من القوة والهيمنة والثراء والنفوذ في الدنيا ما بلغ ثم دخل النار.. فماذا أفادته ثروته ونفوذه؟ الاجابة لاشيء.. وقتها سيود هذا الرجل عندما يري سوء عاقبته أن يفتدي نفسه بأمواله كلها ولو كان عنده ما في الارض ذهبا. وبأولاده ولو كانوا أحب شيء في حياته حتي ينجو من المصير الاسود الذي ينتظره. لذلك نحن جميعاً الان ونحن علي قيد الحياة نمتلك نعمة عظيمة وهائلة.. ماهي؟.. اننا نمتلك القدرة علي التغيير بل والتحول الكامل من المعصية الي الطاعة ومن الضلال الي الهدي ومن الكفر إلي الإيمان، نعم فهي نعمة كبيرة أننا احياء نستطيع الان أن نبدل ونعدل ونعود الي الله وتصور أنك مسافر الي الاسكندرية واكتشفت انك في قطار اسوان. ماذا تفعل؟.. العاقل هو من ينزل من القطار في أول محطة ويأخذ القطار المقابل ليصل به الي وجهته الحقيقية.. ولكن المؤسف أن البعض قد يري في قطار أسوان راحة ورفاهية فيأنس له ويستمر فيه ويقول في نفسه «اسوانأسوان.. مفيش فرق» مثل هذا الانسان طمس الشيطان علي عقله وختم علي بصيرته وجعله لا يعرف الفرق بين ان يكون مصيره الي الجنة أو الي النار طالما أنه يعيش في الدنيا علي راحته وعلي هواه يحقق فيها احلامه وينعم بمكاسبه ويلبس له الشيطان علي معصيته أنه من اهل الجنة وناج من النار! ومن ابلغ صور الجحود ان نعيش انا وأنت في هذه الدنيا علي مرادنا من الله ولا نعيش عليمراد الله منا.. فأصحو كل يوم وفي ذهني مطالب ورغبات اسأل الله ان يحققها لي ولا يخذلني فيها.. وهي مطالب مشروعة ومرغوبة.. ولكن كم مرة تصحو وفي ذهنك أن تقضي يومك علي مراد الله منك.. فتلبي له طلبه وتحقق له مقاصده بطريقة النبي صلي الله عليه وسلم وهي الطريقة الوحيدة المقبولة لنيل رضا الله.. فأيهما أحق ومن منهما الاولي بالرعاية.. وأخيراً تأمل قول الله في الحديث القدسي «عبدي اطعني فيما اريد.. اعطيك ما تريد».. الا يكفي هذا لكي نبدل ونفهم.. تري هل تنزل من قطار أسوان ولو اعجبك طالما ان وجهتك الاسكندرية أم ستستمر؟!