محمود مرسى «الحاوى» : اللهيب أهون من التسول في ليل حالك.. وسط شوارع شعبية ضيقة , يسير حاملًا أدواته الغريبة المكونة من عصا طويلة وزجاجة « جاز » .. ملامح وجهه تكاد تكون مبهمة..ملابسه مهلهلة فلا يمكنك أن تعرف ماذا يرتدي ؟ , ذراعه اليمني عبارة عن كف يد فقط , حين يبدأ في عمله تجده يتمتم بكلمات غير مفهومة.. لا تلتقط أذنك منها سوي اسم الله ورسوله الذين يذكرهما كثيرًا في تمتمته. مهنته شديدة الخطورة.. تجعلك تتساءل حين تراه وهو يعمل.. هل تصل مرارة « أكل العيش » إلي حد أكل النار.. نعم إنه يضع الجاز في فمه ولايتردد في إشعال النار وهو يبث الجاز في الهواء لتتصاعد ألسنة اللهب من حوله ويمكن أن تطال جسده وهو ماحدث له كثيرًا , ومع ذلك بعد كل إصابة يعود مرة أخري لنفس العمل الخطر.. حتي أصبح يعمل وهو مشوه لدرجة أن الناس باتت تخشاه. فالبعض يصفه بالجنون والبعض الآخر يتهمه بأنه « مخاوي جن « ربما لأن غرابة مهنته جعلت كل من يراه وهو يعمل يصاب بالدهشة , فالنار من أكثر ما تخشاه النفس البشرية فكيف له أن يجعل منها مصدر رزق , ففي أحد مزقات السيدة زينب كان يسير وبيده عدته وحين اقترب من أحد المقاهي , وقف وسط الجالسين وبدأ بخفة شديدة في تجهيز عدته حتي إن يده المصابة لم يلغها من جسده بل مازال يعمل بها , بدأ يتمتم بكلماته غير المفهومة , أخرج زجاجة «الجاز » وفتح غطاءها والجميع ينظر بتركيز شديد , شرب من الزجاجة واحتفظ « بالجاز » في فمه، أمسك بعصاه الطويلة وأشعل طرفها , وبدأ يبخ « الجاز » علي طرف العصا المشتعل فيشتد اللهيب ويحيطه من كل ناحية , فيسرع بوضع العصا في فمه فينطفئ اللهيب , فيصيح الجميع مهللًا , كيف يفعل ذلك كيف له ان يضع اللهيب في فمه الذي يمتلأ « بالجاز » ثم يبدأ بتكرار مافعله لعدة مرات بناء علي طلب الجالسين , ومن شدة انبهارهم به تجدهم يعطونه النقود في يده ويطلبون منه تكرار ما فعل وفي كل مرة يحاولون التدقيق فيما يفعل ولكن لا جدوي فلا احد يستطيع فهم مهنته إلا هو , هو محمود مرسي «الحاوي» حسب وصف مهنته , يبلغ من العمر 40 عامًا متزوج ولديه بنت , يروي حكايته مع النار قائلا :» أعمل بهذه المهنة منذ أن كنت صبيًا في الثانية عشرة من عمري , فهي مهنة أبي وجدي اللذين كانا من رواد السرك , فالأساس في هذه المهنة التدريب الجيد لأن الخطأ فيها يودي بحياتك فلا مزح مع اللهيب.. فقبل تمكني منها تعرضت فيها لكوارث، ففي إحدي المرات كنت في السيرك أسكب علي جسدي الجاز وأسير وسط حلقة لهيب وبدلًا من أن أسكب « جاز» سكبت خطأ بنزين 90 وبمجرد ما اقتربت من النار التقطتني من رأسي وأكلت ذراعي اليمني ولكني تعافيت وعدت أعمل من جديد, ورغم أن هذه المهنة انهكتني وجعلتني مشوهًا بهذه الصورة إلا انني لم أجد يومًا لها بديلًا , فاللهيب أهون عليّ من التسول منهيًا كلماته بابتسامة راضية « اصل أكل العيش مر» قصدي .. نار ! !