عشت عدة أيام بمملكة البحرين ما بين نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الحالي لمتابعة الانتخابات النيابية والبلدية هناك.. كانت حصيلة تلك الأيام خصبة وجميلة، ولم أكن أتوقع أن تجري الانتخابات البحرينية بهذه الشفافية التي تتحدث عن نفسها.. أقبل الناخبون منذ صباح السبت الماضي 22 نوفمبر وحتي العاشرة مساء لأداء واجبهم الانتخابي، وتحملوا إجهاد الانتظار لساعات طويلة في طوابير منظمة - احتلت فيها السيدات والفتيات نسبة عالية - للإدلاء بأصواتهن لاختيار ممثليهم بالمجلسين في مظهر حضاري مشرف.. ولم تكن لدعوات مقاطعة الانتخابات سوي تأثير محدود رغم محاولات قطع الطرق وحرق السيارات والتهديد بالقتل أو الإيذاء لمنع أعداد من الناخبين من التوجه إلي اللجان الانتخابية خاصة في الأماكن التي تتمتع فيها بعض أطياف المعارضة بأغلبية سكانية واضحة.. وقد ساعد علي ذلك إقامة مراكز انتخابية مجمعة مثل جامعة البحرين وأسواق سيف التجارية وغيرها.. ولا يشترط في الناخب أمامها سوي أن يكون مسجلا في الدفاتر الانتخابية ولديه بطاقة انتخابية وأخري شخصية.. ولم تتجاوز نسبة المقاطعة 16 في المائة تأسيساً علي عدد المشاركين في انتخابات 2010، رغم أن هذا المقياس يعطي نسبة المقاطعة أكثر من حقيقتها لأن احتمالات عدم المشاركة لا تأتي لمجرد المقاطعة فقط فقد يتسبب فيها المرض أو غيره من الأسباب الخارجة عن إرادة الإنسان.. وعموما فإن نسبة من أدلوا بأصواتهم تفوق نسبة المشاركة في إنتخابات العديد من الدول المتقدمة وهي 51.5 في المائة للبرلمان و53.7 في المائة للمجلس البلدي، والفرق بين الاثنين يتمثل في عدد اللجان ونوعية الناخبين.. وتدعي المعارضة البحرينية - ولها كل الإحترام هناك - إن وراء ارتفاع النسبة المشاركة في العملية الانتخابية جهود الدولة في استنهاض الكتل المتحركة من وراء الحدود وفي المناطق الداخلية، إلي جانب تهديدات الحكومة للناخبين الذين يمتنعون عن الذهاب لصناديق الإقتراع بمنع الخدمات العامة عنهم، وترويجها - طبقا لادعاءات المعارضة - كما روجت انها بصدد اتخاذ إجراءات عقابية بحقهم.. والحقيقة التي أؤكد عليها كشاهد عيان أن كل هذه الادعاءات غير صحيحة.. وللدلالة علي صدق ما ذهبت إليه ما أعلنته قوي المعارضة أو بعض أطياف منها عقب نتائج الانتخابات وتأكيدها علي استمرارها في نضالها السلمي والحضاري، وهذا عكس ما حدث علي أرض الواقع من قطع طرق وحرق سيارات وتهديدات بالقتل والإيذاء.. ورغم أن نسبة المشاركة المرتفعة نسبياً في ظل مقاطعة المعارضة كانت لها أهمية ذات دلالة خاصة، فإن الأجهزة الحكومية بالبحرين رفضت التعامل مع المعارضة بأسلوب الزجر أو الترصد حتي بعد الأحداث التي صاحبت العملية الانتخابية في بعض المناطق وهو الأمر الذي عبر عنه بصراحة خالد بن علي آل خليفة وزير العدل والشئون الإسلامية في مؤتمر صحفي عندما رفض فكرة معاقبة الذين أعلنوا مقاطعتهم للانتخابات باستثناء من قام بأعمال شغب يعاقب عليها القانون.. وعموما فإنني أري أن نتائج الانتخابات لا تعني الفوز الكاسح للحكومة ولا الهزيمة الكاملة للمعارضة، ولكن بالتأكيد فإن جميع الفرقاء مطالبون باستغلال ما حدث من مظهر حضاري لشعب البحرين في هذه الانتخابات لاستئناف الحوار البناء للقضاء علي الأزمة السياسية المختلقة منذ 14 فبراير 2011، وهذا ما أكدته سميرة إبراهيم بن رجب وزيرة الدولة لشئون الإعلام بالبحرين وقالت إن الحوار سيبقي وسيلتنا وسلوكنا - تقصد الحكومة - للوصول إلي أهدافنا الرئيسية في التطور والتنمية وتماسك الوحدة الوطنية..