مُنهكٌ هو الشتاءُ بتفاصيله المتراتبة، أعمدةُ التبغ المحترقةُ عددها لا نهائي، مُرشحةٌ للمُضاعفةِ، أُشعلها تباعا، مُتعتها شرهةٌ، دافعةٌ للتحريض، وأنا ثائرٌ عنيدٌ، لا أعبأ كثيرًا بالمخاطر، ولا تُحجمني قيودٌ، تجرفني المغامرةُ متي شاءت، وتُغريني لذةٌ ساديةٌ للتجريب. الطريقُ يغرقُ في ضبابٍ مُستجدٍ، يمحو حدود النهاية، أكتبُ أثناء القيادةِ. المحظور يُرجي دائماً، لكن إذا ما لاحت الكلمةُ، وألحت الفكرةُ، فأنا سيد أغلظ قوانين المرور، أنا الرافضُ لكلِّ القيود، أنا طريدُ الزحام الأنيس. الزُعاق الُمتعالي، متناغمٌ، آلات نفخ نحاسيةٍ تخرق كل السالف ذكره، كونشرتو صارخٌ، غاضبٌ، مُستفزٌ ينفر عبر سماعات السيارة، كأن الفضاءَ يسمعه، يسوقُ الطريقَ، ويوسع إفرازاتٍ زرقاء لزجة علي أوراقٍ كانت مُهملة، لعل رائحةَ صفار القديم منها يُثير شهوةً مُتصابيةً لقلمٍ رصينٍ. التكدسُ يمط خيطان الوقت، الدقائقُ الممتدةُ تنسجُ ساعاتٍ صحيحةً، مفتولةً، لا أمل في شمس هذا النهار، الجميع سلم بذلك القضاءِ، للهواء وقتها رائحةٌ نديةٌ ثقيلةٌ - تجهلينها أنتِ - تُهدئ عُفار عوادم سوداء، مزعجةٍ، مَقيتة، تُميته، تهبط به من أعالي السماء إلي حمم براكين راكدة في القاعِ البعيدِ، تنتظرُ الإذنَ بالانفجار، تسيله علي زجاج السيارة، تكثفه فينزل خطوطًا عشوائيةً حرةً. وهذه يا صغيرتي تبعاتُ البرودة! ستعجز ألوانُك الصيفيةُ الطليقةُ عن فهمها، ستفشلُ في الالتحام بأناقةٍ شتويةٍ تميلُ للانعزال، أنتِ الشمسُ والدفءُ، اللونُ وسطوعُه، وأنا البردُ والحالة! أنا رابطةُ العنق الصوفيةِ الداكنةِ، وأنت فستانٌ مُبهجٌ، ناعمٌ هفهاف.. كل ما سبق يا صغيرتي هو حالةُ الشتاء الذي تكرهينه، فأين ما تفيضُ به شمسُك؟! أنتِ يا صغيرتي خفيفةٌ عابرةٌ، وأنا راسخٌ ثقيلٌ مثل هذا الندي.. والفصولُ دائرةٌ تدورُ، وأنا في انتظارِ صيفك! لذا لزم الاستدراكُ!