أ.د. حسام مغازى المفاوضات الناجحة هي التي تخرج الاطراف المشاركة فيهاوقد حققت العديد من مطالبهابما يسمح بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ،فهي ليست مباراة صفرية تنتهي بوجود فائز ومهزوم مع بداية الاستقرار في المؤسسات الداخلية في مصر، وبعد اجراء انتخابات الرئاسة، تم وضع موضوع سد النهضة الإثيوبي علي رأس أجندة تحركات السيد رئيس الجمهورية، حيث قام سيادته بعقد اجتماع ثنائي مع السيد رئيس وزراء إثيوبيا علي هامش القمة الأفريقية بمالابو – غينيا الاستوائية في يونيو الماضي وتم التوصل إلي بيان مشترك اقر فيه الجانب الإثيوبي بتجنب أي ضرر علي استخدامات مصر من المياه واحترام مبادئ القانون الدولي مع أهمية الاستئناف الفوري لأعمال اللجنة الثلاثية بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، وأهمية احترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مراحل تنفيذ مشروع السد. وكانت نتيجة هذا البيان المباشرة، اتفاق الدول الثلاث علي استئناف المفاوضات ووجهت الدعوة إلي الاجتماع الرابع بالخرطوم في الفترة (25 – 26) أغسطس لوضع آلية لحل الخلاف وليس لمناقشة الامور الفنية وتفاصيلها، حيث قام الوفد المصري بوضع رؤية جديدة تعتمد علي اهمية تجهيز وطرح الدراسات المصرية لإبراز الشواغل من جراء انشاء السد بأبعاده الحالية المعلنة من جانب اثيوبيا وسعته التخزينية الضخمة وتأثيره علي التدفقات المائية لمصر، واختصار الفترة الزمنية للدراسات التي سيقوم بها المكتب الاستشاري الدولي إلي 6 شهور بدلا من عام لأن عامل التوقيت ليس في الصالح الوطني، كذلك تحديدالآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية للسد علي مصر. كما أخذ في الاعتبار ضرورة الالتزام بما جاء من تفاهمات في بيان مالابو وبناء الثقة بين الجانبين المصري والاثيوبيي، هذا وتم التأكيد علي أهمية تعزيز العلاقات الثنائية المصرية الاثيوبية في شتي المسارات. وانعقدت المفاوضات في اجواء ايجابية اسهمت في توفيرها الرعاية السودانية وخلص الاجتماع إلي التوصل لخارطة طريق تشمل المراحل الآتية 1 تبادل الدراسات الوطنية الخاصة بالدول الثلاث مع امكانية إرسالها الي المكتب الاستشاري الدولي الذي سيقوم بالدراسات. 2 قيام الجانب الاثيوبي بتسليم الدراسات الخاصة بأمان وتصميمات السد بعد أن قام بتحديثها وذلك للجنة الثلاثية الوطنية. 3 تشكيل اللجنة الثلاثية الوطنية من أربعة خبراء من كل من الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان. 4 تقوم اللجنة الوطنية الثلاثية باختيار المكتب الاستشاري الدولي للقيام بالدراسات الفنية المطلوبة لتحديد تأثير السد علي التدفقات المائية وتحديد حجم التخزين وعدد سنوات الملء ونظام الملء والتفريغ، وكذلك تأثير السد علي النواحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وبما لايؤثر علي التدفقات المائية لمصر والسودان. 5 الاتفاق علي تسمية الخبراء الدوليين خلال فترة لا تزيد علي شهرين للاستعانة بهم حال وجود خلاف بعد صدور التقرير النهائي للدراستين من قبل المكتب الاستشاري الدولي علي ان يكون قرار الخبراء فاعلا ونهائيا. 6 الاتفاق علي الانتهاء من اعمال اللجنة والدراسات خلال ستة اشهر. 7 إقرار إثيوبيا بعدم احداث أي ضرر علي المياه المتدفقة لدولتي المصب. وتم التوقيع علي خارطة الطريق من الوزراء بالدول الثلاث. وبقراءة موضوعية لبنود تلك التفاهمات نكتشف انه تحقق عدد من النتائج اهمها كسر حالة الجمود التي استمرت خمسة عشر شهرا بدون اي فائدة أو تحقيق أي تقدم، وهذه الاتفاقية تعد تاريخية لأنها المرة الاولي التي تتعهد فيها أثيوبيا بشكل كتابي بعدم الاضرار بالتدفقات المائية لمصر والسودان من جميع النواحي، سواء الهيدرولوجية أوالبيئية أوالاجتماعية. كما يمكن مصر من الحصول علي الدراسات الاثيوبية المتعلقة بأمان السد. وان الدراسات سوف تنتهي في مارس 2015 وقبل افتتاح المرحلة الاولي والمقرر لها سبتمبر 2015 لتخزين 14 مليار م3، مما يتيح الاستفادة من نتائج تلك الدراسات في اعمال بناء السد. واذا تم مد نفس المنطق علي استقامته فسنجد ان الاتفاق علي تشكيل لجنة ثلاثية وطنية لايعني موافقة مصر علي قيام السد الإثيوبي ولا علي أبعاده المعلنة،وأن نتائج دراسات المكتب الاستشاري الدولي ستحدد مدي الآثار السلبية علي مصر والسودان، ولكن الاتفاق يعتبر خطوة للأمام للتأكد بصورة مشتركة أن السد يتم تنفيذه علي أسس سليمة والتأكد من مدي آثارالسد علي دولتي المصب. كما ان تلبيه الدعوة التي تم توجيهها من الجانب الإثيوبي للوزير المصري والخبراء المصريين لزيارة سد النهضة تعتبر في اطار الاعمال الفنية للوقوف علي ما يتم من انشطة وطمأنة الشعب المصري انه لم يتم اجراء أي اعمال للتخزين خلف السد، كذلك يمهد لبناء جسور الثقة بين الجانبين ولا تمثل اعترافا بالسد كما يروج البعض من ادعاءات حيث سبق زيارة مسئولين مصريين للسد في اطار اعمال اللجنة الدولية للخبراء. وفي تقديري ان نجاح الجولة الاخيرة من المفاوضات ارتكز علي تحقيق مطالب لجميع الاطراف: مصر والسودان واثيوبيا. والحقيقة ان المفاوضات الناجحة هي التي تخرج الاطراف المشاركة فيهاوقد حققت العديد من مطالبهابما يسمح بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ،فهي ليست مباراة صفرية تنتهي بوجود فائز ومهزوم، لكنها تقوم علي مبدأ تحقيق المنفعة للجميع win- win approach. لذلك فإن خارطة الطريق التي توصلنا إليهاتمثل خطوة جيدة للامام، تكملها خطوات أخري موازية علي المسار السياسي، وهي تسلط حزمة من الضوء تنير الطريق لتحقيق المنفعة المشتركة للجميع ،وتحقق المعادلة الصعبة التي ظللنا نبحث عنها طويلا في علاقتنا مع اثيوبيا وهي كيفية تحقيق تنمية مستحقة هناك مع عدم إضرار بحق استدامة التدفقات المائية القادمة إلي مصر والسودان. حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء