وزير التعليم العالي يلتقي نظيره الروسي لتعزيز التعاون المُشترك    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 14 يونيو 2024    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات الجمعة 14 يونيو    وزير الإسكان: جار إجراء التجارب لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح    اليونيسيف: آلاف الأطفال يموتون بسبب المجاعة وسوء التغذية فى قطاع غزة    بايدن يتجول بعيدا فى قمة ال "G7" ورئيسة وزراء إيطاليا تعيد توجيهه.. فيديو    تشكيل ألمانيا المتوقع ضد اسكتلندا في افتتاح كأس الأمم الأوربية 2024    سكة الحديد: تخفيض السرعة المقررة للقطارات على معظم الخطوط بسبب الحرارة    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية استعدادا لاستقبال عيد الأضحى 2024    ننشر صور 3 أشقاء لقوا مصرعهم داخل غرفة الصرف الصحي بالأقصر    "السكة الحديد" تخصص عددا من القطارات لخدمة أهالي النوبة    التضامن: استمرار عمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان خلال عيد الأضحى    مهرجان المسرح التجريبي يكرم فريق بانوراما برشا الفائز بالعين الذهبية في كان    الكشف على 902 مواطن فى قافلة طبية مجانية بدشنا فى قنا ضمن "حياة كريمة"    4 خطوات تساعدك على الوقاية من مرض الاكتئاب    جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا لتأهيل طلابها لسوق العمل    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    مقارئ وندوات علم.. أوقاف جنوب سيناء تنفيذ البرنامج الصيفي للطفل داخل 60 مسجدا    موقف وسام أبو علي من مباراة الأهلي والزمالك    البوكس أوفيس لأفلام عيد الأضحى، ولاد رزق 3 وأهل الكهف واللعب مع العيال    يوم التروية في الحج.. أهم الأعمال المستحبة والمناسك    محافظ أسيوط يوجه الإصلاح الزراعي بتكثيف منافذ السلع المتنقلة في الميادين    الإسكان: زراعة 12 ألف شجرة مثمرة ضمن مبادرة الرئيس «اتحضر للأخضر» (صور)    32 ألف كادر طبى لخدمة الحجاج.. ومخيمات عازلة للضوء والحرارة    الدوما الروسي: واشنطن تقوض الثقة في الدولار من خلال فرض عقوبات غير قانونية    وزيرة التخطيط تتابع خطوات إنشاء الصندوق السيادي لقطاع الصناعة    القاهرة الإخبارية: استشهاد فلسطينى فى قصف لزوارق حربية إسرائيلية بخان يونس    قصف إسرائيلي وسط بلدة الخيام جنوبي لبنان    يوم التروية.. أفضل الأعمال المستحبة والأدعية المستجابة    الحجاج يرتدون ملابس الإحرام اليوم.. والبعثة الرسمية: حجاجنا بخير    أزهري يوضح موعد ذبح الأضحية.. والصيغة الصحيحة لتكبيرات العيد    الأغذية العالمي: موسم الأمطار يعرقل تقديم الدعم بالسودان    إخماد حريق داخل منزل فى العياط دون إصابات    «غرفة أزمات مركزية».. خطة وزارة الصحة لتأمين احتفالات عيد الأضحى وعودة الحجاج    إجراء مهم من «هيئة الدواء» للتعامل مع نواقص الأدوية خلال عيد الأضحى    5 قرارات جمهورية مهمة، تعرف عليها    كاميرا القاهرة الإخبارية تنقل صورة حية لطواف الحجاج حول الكعبة.. فيديو    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    «لن نراعيه»| رئيس وكالة مكافحة المنشطات يُفجر مفاجأة جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي    إسقاط 87 طائرة مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة    التوك توك اتعجن، مصرع ربة منزل وابنتها وإصابة اثنين في حادث مروع بالشرقية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 14-6-2024    صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة بسهل الحولة والجليل الأعلى شمالي إسرائيل    عزيز الشافعي يحتفل بتصدر أغنية الطعامة التريند    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 14 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري بالتزامن مع إجازة البنوك    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    إنبي: زياد كمال بين أفضل لاعبي خط الوسط في مصر.. ولا أتوقع تواجده في الأولمبياد    تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    ملف رياضة مصراوي.. هزيمة الأهلي.. قائمة الزمالك.. وفوز بيراميدز    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    طريقة عمل الفشة في خطوات سريعة قبل عيد الأضحى.. لذيذة وشهية    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    هشام قاسم و«المصري اليوم»    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    مودرن فيوتشر يكشف حقيقة انتقال جوناثان نجويم للأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيق الحياة ورائحة الزمن (6)
نشر في أخبار اليوم يوم 02 - 09 - 2014

طلبت وكالة الأنباء التراضي خارج المحكمة حيث دفعت تعويضًا قيمته خمسين ألف جنيه إسترليني لزوجة السفير المصري في «لندن» الذي قام بتحويلها كاملة لصندوق دعم الطلاب العرب الدارسين في العاصمة البريطانية!
أحسب أن فترة عملي في «لندن» كانت من أكثر فترات حياتي خصوبة لأنها أسهمت في تكويني الفكري والشخصي أكثر من غيرها بما في ذلك فترة عملي بمؤسسة الرئاسة ذاتها، فلقد اتصفت إقامتي في «لندن» بالشعور بالحرية والإحساس بالأمان الذي يدركه كل مغترب في تلك العاصمة البريطانية الرائعة فاشتريت شقتي عام 1973 بسعر زهيد ولكن قيمتها الحقيقية الآن تجاوزت ذلك بكثير بعد عمليات إبدال وانتقال من شقة إلي أخري، وفي «لندن» تشعر أنك صاحب مكان، كلنا شركاء في نفس القدر من الحرية ونفس المساحة من الحركة وحسن النية متوافر دائمًا إلا من يخطئ، ومازلت أتذكر من عملي في القنصلية المصرية كيف تورطت سيدات مصريات من مستويات راقية في الاتهام بسرقات من المحلات التجارية وكان معظمها بسبب جهلهن بنظام الدفع وعدم معرفتهن بنظام «كاميرات» المراقبة الذي كان يبدو حديثًا وغير مألوف في بلادنا مع مطلع سبعينيات القرن الماضي، ولقد شهدت في «لندن» أحداثًا كبيرة فاستدعيت ذات صباح من صيف 1973 لاستلام جثمان الفريق «الليثي ناصف» الذي سقط من الدور الحادي عشر من برج «ستيوارت» تلك البناية الشاهقة التي سكنها عديد من الأسر المصرية ومازالت علامات الاستفهام تحيط بذلك الحادث الغامض حتي اليوم، وفي «لندن» أيضًا تابعت مصرع العقيد «علي شفيق» المدير الأسبق لمكتب المشير «عامر» في حادث مأسوي غامض لم تتحدد دوافعه وملابساته حتي الآن، كذلك ساقتني الظروف للقاء السيد «شمس بدران» وزير الحربية قبل «نكسة يونيو 67» الذي اختار «لندن» مستقرًّا له بعد أن غادر «مصر» في بداية حكم الرئيس «السادات» وكان الرجل يبدو لي في لقاءاتنا المختلفة قلقًا وحذرًا وتبدو علي ملامحه ظلال سلطة غائبة وبقايا نفوذ ضائع، وكان يحكي لنا أن الموسيقار الكبير «محمد عبد الوهاب» كان يزوره في منزله و»يدندن» له علي العود في لقاءات شخصية محدودة! كما حضرت في العاصمة البريطانية زيارة الرئيس «السادات»، وأتذكر أنني ذهبت برفقة المستشار «رفيق صلاح الدين» لمقابلة المسئول عن قسم «مصر» في الخارجية البريطانية لإعداد ترتيبات الزيارة وأثناء الاجتماع طرح الجانب البريطاني درجات الزيارة المختلفة من «زيارة دولة» إلي «زيارة رسمية» إلي «زيارة عمل»، وقالوا إن زيارة الرئيس «السادات» هي زيارة عمل فلن تقابله الملكة إلا علي مدخل جناحها في قصر «باكينجهام»، عندئذ طوي المستشار «صلاح الدين» أوراقه وطلب مني أن أتبعه في الخروج من المقابلة، وكان الرجل خبيراً بالعقلية البريطانية فقال لهم إن «السادات» رئيس «مصر» ولو أن «ناصر» كان هو الزائر لاستقبلته المقاتلات البريطانية عند المجال الجوي البريطاني تحية وتشريفًا، فأنتم تعرفون هيبة الحكام وتحترمون فقط من تخافون لا من تصادقون! عندئذ لحق بنا السيد «ديفيد جوربوث» عند الدرج معتذرًا وجري ترتيب الزيارة بمراسم لائقة لمكانة رئيس «مصر» «أنور السادات» مع اعتذار كامل عن مشروع الترتيبات الذي كان معدًّا من الجانب البريطاني، ولقد أدركت يومها أن العقلية الغربية تحترم من يعرف حقه كما أنها مستعدة لتجاهل من لا يدرك ما هو له، ولقد عملت في «لندن» في ظل سفراء ثلاثة كان أولهم هو السيد «كمال رفعت» وهو نائب أسبق لرئيس الوزراء ومناضل قاد الفدائيين في منطقة «القنال» وتلاه الفريق «سعد الشاذلي» بمجده العسكري ومكانته الرفيعة، ولقد كنت قريبًا منه واحتفظت بحبي واحترامي له دائمًا، وجاهرت بالحديث عن دوره الدبلوماسي الرفيع وكتبت ذلك وهو في محبسه، وأتذكر هنا واقعة لا أنساها حيث استدعاني إلي مكتبه بالسفارة صباح يوم «سبت» علي غير العادة وقال لي يا «أبو سارة» (بالإشارة إلي ابنتي الصغري التي ولدت أثناء خدمتي معه): «إن زوجة السفير «زينات هانم متولي» قد أهينت وهي أشرف النساء فقد أذاعت إحدي وكالات الأنباء أن زوجة السفير المصري قد ضبطت تخرج من أحد المحلات ومعها مشتريات غير مدفوعة، ولم يكن ذلك معقولًا ولا مقبولًا، فقد أخطأت وكالة الأنباء وبدلًا من أن تقول زوجة سفير مصري ذكرت حرف التعريف وكأنما الإشارة هنا إلي زوجة السفير المعتمد في «لندن» وهو الفريق «سعد الشاذلي» رئيس أركان حرب القوات المسلحة في «معركة العبور». وقد طلب مني السفير»الشاذلي» أن أقوم بإبلاغ الخارجية المصرية برقيًّا بالواقعة وأنه سوف يقاضي وكالة الأنباء التي نشرت الخبر مغلوطًا، وبالفعل مضي الرجل في الإجراءات القانونية فطلبت وكالة الأنباء التراضي خارج المحكمة حيث دفعت تعويضًا قيمته خمسين ألف جنيه إسترليني لزوجة السفير المصري في «لندن» الذي قام بتحويلها كاملة لصندوق دعم الطلاب العرب الدارسين في العاصمة البريطانية! ثم عملت بعد ذلك مع السفير «سميح أنور» وهو واحد من ألمع سفرائنا وأكثرهم توازنًا، وأتذكر أنه حضر مهمومًا إلي أحد اجتماعاته الصباحية مع أعضاء السفارة وقال: «إن «مجلس السفراء المسلمين» قد عقد اجتماعًا في اليوم السابق لجمع التبرعات لإنشاء «المركز الإسلامي الجديد» علي أرض حدائق «الريجنت» في قلب «لندن» وأن سفير «المملكة العربية السعودية» «عبد الرحمن الحليسي» عرض مساهمة حكومة بلاده بالنصيب الأكبر من البناء كذلك جاءت تبرعات من دول إسلامية أخري، أما نحن في «مصر» فظروفنا الاقتصادية تحول دون الإسهام الفعال في بنائه». فقلت له: «إن «مصر» تساهم بثمانية ملايين جنيه إسترليني هي قيمة الأرض إذ إنه في حدود علمي أنها مقايضة ملكية بين الملك «جورج الخامس» والملك «فؤاد الأول» في مقابل أرض «كنيسة جميع القديسين» علي ضفاف نيل «القاهرة» منذ منتصف ثلاثينيات القرن العشرين»، فنظر إليّ السفير «أنور» متسائلًا إذا كان لدينا دليل يثبت ذلك؟ وقد انصرفت من الاجتماع متجهًا إلي «مركز الوثائق البريطانية» وبتوفيق من الله حصلت علي المكاتبة الرسمية في أوراق الخارجية البريطانية وتدور حول استقبال ملك «بريطانيا» للسفير «حسن نشأت باشا» سفير «المملكة المصرية» ومعه الشيخ «حافظ وهبه» الوزير المفوض لملك الحجاز العاهل السعودي «عبد العزيز الكبير»، وأنه قد جرت في ذلك اللقاء مراسم تبادل الوثائق بخصوص تبادل الأراضي بين «لندن» و»القاهرة» بما يؤكد أن الأرض التي يقام عليها «المركز الإسلامي» هي أرض مصرية تاريخية، ولقد استقر ذلك المفهوم، وكان أول مدير للمركز الجديد بعد إنشائه عالما أزهريا مصريا هو الراحل الشيخ «محمود حب الله»، إنني أريد أن أؤكد أن العمل في «لندن» مَدرَسة فهي مدينة التعليم والعلاج والتسوق والتسلية أيضًا، فلكل ما يريد، ولذلك فإنني أستأذن «القدس» «أم المدائن» لأصحاب الديانات السماوية لكي أقول إن «لندن» هي «أم المدائن» لأبناء الحضارات المعاصرة! وفي العاصمة البريطانية حصلت علي الدكتوراه من كلية «الدراسات الشرقية والإفريقية» التي أنشأتها جامعة «لندن» بدعم من «وزارة المستعمرات البريطانية» في مطلع القرن العشرين، ورغم أن أستاذي اليوناني الأصل الأمريكي الجنسية كان يتحدث العربية بطلاقة إلا أنه لم يتحدث معي بها إلا عندما قال في نهاية مناقشة الرسالة (مبروك تستطيع الآن إبلاغ زوجتك بحصولك علي الدكتوراه)، وكان ذلك في حضور البروفيسور «روجر أوين» أستاذ العلوم السياسية الشهير في جامعتي «أكسفورد» البريطانية ثم «هارفارد» الأمريكية، وفي «لندن» أنجبت زوجتي السيدة «نجوي» وهي مثقفة مصرية ذات نشاط اجتماعي ناجح في كل مراحل حياتنا ابنتيّ السيدتين «سلمي» و»سارة» ومن المصادفات أن أكبر أحفادي قد اتجه للدراسة في جامعة «لندن» أيضًا فأنا مدينٌ للعاصمة البريطانية بالعشق التاريخي والهوي الإنساني والألفة التي لا تنتهي، وقد كنت أود أن أكون سفيرًا فيها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ومازال تواصلي مع مدينتي المفضلة فأنا عضو في مجلس أمناء مؤسسة بريطانية كبيرة لتعليم الطلاب الأجانب إلي جانب عضوية المركز البريطاني للدراسات الإستراتيجية، ولقد خرجت من تلك المدينة المبهرة بالآلاف من الأصدقاء المصريين والعرب والأجانب، وكلما هبطت الطائرة في مطار «هيثرو» شعرت وكأنها تهبط بي في قرية «المغازي» مركز «المحمودية»، حيث ولدت ونشأت.. إنها ذكريات النشأة والتكوين وأحلي سنوات العمر.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.