د. رمضان متولى كما جاهد في دعوته التنويرية وثابر علي العمل علي تجديد الفكر الإسلامي كأساس للإصلاح السياسي والإجتماعي بدأت الدعوة إلي التنوير في مصر مع نهاية القرن الماضي،وتحمل عبء البداية ووضع أسسها وقواعدها الشيخ محمد عبده الذي شارك أستاذه جمال الدين الأفغاني دعوته التنويرية، مركزا في هذه الدعوي علي البعد الوطني المصري، وواته الفرصة حين رأس تحرير مجلة «الوقائع المصرية»، فأضفي علي موضوعاتها رؤيته المتطورة متخذا منها منبرا حيا لنشر أفكاره الإسلامية، لكن صلته ومساندته للثورة العرابية والقائمين عليها دفعا الخديو توفيق إلي الأمر بنفيه إلي سوريا وإغلاق المجلة بعد أن لعبت دوراً تحريضياً علي قيام الثورة.. استقر المقام بالإمام محمد عبده في لبنان، فجد واجتهد في الدراسة في بعض معاهده- وفق منظوره العقلاني، ثم دفعه حرصه علي مواصلة دوره التحرري والتنويري إلي العودة إلي مصر فالتحق بسلك القضاء، ثم ما لبث أن عين مفتياً للديار المصرية، فعضواً بمجلس شوري القوانين، حيث استمر في دعوتة إلي ضرورة الاصلاح الدستوري، ولم تحل مناصبه الحكومية دون الدعوي إلي الإصلاح الإجتماعي، فشرع في تأسيس جمعية إحياء كتب التراث العربي القديم، خصوصاً ما تعلق منه بالعقلانية والعلم التجريبي، كما جاهد في دعوته التنويرية وثابر علي العمل علي تجديد الفكر الإسلامي كأساس للإصلاح السياسي والإجتماعي وإصلاح نظام التعليم وإصلاح الأخلاق .فقد كان شاغله الأهم هو هدم الموروث عن عصر الإنحطاط،وذلك بالدعوة إلي تجديد العلوم الدينية، والاهتمام بالعلوم والآداب التنويرية التي جري تحريمها وتجريم المشتغلين بها في ذلك العصر، إذا رأي في الأخذ بها خروجا من سجن الجهل إلي عالم المعرفة، ومن قيود التقليد إلي إطلاق التوحيد، كما نادي بتجديد الفكر الديني من قيود التقليد الممعن في الجمود وإصلاحه بما يجعله منسجماً مع مطالب الحياة . كما دعا الإمام إلي إعادة كتابة التاريخ الإسلامي مما حفل به من اسرائيليات وخرافات وأساطير. كما دعا الإمام كذلك إلي فتح باب الإجتهاد علي مصراعيه . أما عن دعوته للاصلاح السياسي فقد عول الإمام علي مبدأ (الحرية) رابطاً إياها بمبدأ الإلتزام، واعتبر مناصحة الحكام واجباً علي الرعية .كما دعا الإمام إلي اتباع الشوري، من هنا كان تنديده بالإستبداد الذي كان نموذجه الواضح السلطان عبدالحميد. وفي مجال التعليم أولي الإمام عناية خاصة علي مؤسسة الأزهر تنظيماً وتعليماً داعياً إلي ضرورة الاهتمام بالعلوم العقلية وتدريسها وفق منهج يفجر طاقات الإبداع ويجلو مكانته بدلاً من منهجية (الحفظ والتلقين).. كما نادي بتطوير العلوم الدينية وطرح فكرة إنشاء الجامعة المصرية لإحداث التوازن بين التعليم الديني والتعليم المدني، كما دعي إلي تجديد الفكر الديني، وذلك لأن الإسلام في نظره لا يتجدد إلا بالعقل، ولا يتحقق الإ بالفعل ولا ينتصرالإ بالإخذ بالعلوم العصرية.ولم تنطفئ شعلة التنوير مع وفاة الإمام محمد عبده، فقد حملها بعده تلميذه رفاعة الطهطاوي( 1216 ه 1801 م 1290 ه 1873 م ) الذي تولي قيادة قطار النهضة في عهد محمد علي باشا.. ولكن ماذا قدم الطهطاوي لمصر.. هذا موضوع مقالنا القادم