فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مسئولة أممية أمام مجلس الأمن: الكلمات تعجز عن وصف ما يحدث في غزة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    بعد اتهامه بدهس سيدتين.. إخلاء سبيل عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    مفاجأة.. شركات النقل الذكي «أوبر وكريم وديدي وإن درايفر» تعمل بدون ترخيص    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
من يعرف الفرقة الثامنة دفاع جوي؟

كتاب «حائط الصواريخ» للفريق محمد سعيد علي والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخراً وثيقة عسكرية، وطنية يجب أن تُقرأ...
خلال عملي كمراسل حربي للأخبار في الجبهة بدءاً من عام 1969، قُدر لي أن أعيش حرب الاستنزاف ثم فترة الإعداد للعبور الكبير في أكتوبر عام 1973، ثم العبور نفسه، كنت معايشاً وشاهداً علي الوقائع، وكان اهتمامي بالدفاع الجوي مصدره أن المواجهة كانت في جوهرها بين سلاح الطيران الإسرائيلي الذي خرج مزهواً من أحداث يونيو 1967، مع بدء عملية بناء القوات المسلحة تقرر اعتبار الدفاع الجوي قوة مستقلة، مثل القوات البرية، والبحرية، والجوية، وفي ظروف بالغة الصعوبة بدأت عملية بناء الدفاع الجوي تحت القصف اليومي بأحدث الطائرات المقاتلة من ميراج5، وسكاي هوك وفانتوم، مشاهد عديدة أحتفظ بها في ذاكرتي من تلك الأيام، الطائرات المعادية التي تبدو كنقاط بيضاء علي ارتفاعات شاهقة، مواقع المدفعية المضادة للطائرات من الأعيرة المختلفة في مواجهة هذه الطائرات الحديثة، قواعد الصواريخ التي زرتها من بورسعيد شمالاً إلي جبل عتاقة جنوباً، غرفة عمليات الفرقة الثامنة التي ربما أكون الصحفي الوحيد الذي دخلها، كان المدخل أحد الحقول في ريف الاسماعيلية، مازلت أذكر خوضي الأراضي المزروعة، المشي مسافة حتي وصولي إلي فتحة دائرية نزلت منها إلي تحت الأرض لأفاجأ بغرفة عمليات حديثة جداً وخريطة كاملة للجبهة عليها الموقف الكامل في نفس اللحظة علي الجانبين، كان ذلك بعد وقف إطلاق النار في نهاية أغسطس 1970 إثر مبادرة روجرز، مازلت أذكر يوماً في مطار أبو صوير الذي توقف استخدامه وأصبح مقراً لقوات الدفاع الجوي، فوجئت بتهليل وحالة من الفرح الأقصي والضباط والجنود يعانق بعضهم بعضاً، لقد نجحت قوات الدفاع الجوي المصري في إسقاط طائرة من طراز «ستراتوكروز» مخصصة للاستطلاع الالكتروني وكانت ترصد مواقع قواعد الصواريخ وبالتالي يمكنها تحديد مواقعها وأنواعها وتزويد الطائرات المهاجمة بمعلومات تسهل مهماتها، كانت هذه الطائرة المتقدمة تطير علي ارتفاع شاهق، علي بعد مائة كيلو من قناة السويس داخل سيناء، في ذلك اليوم تمكنت قوات الدفاع الجوي من إسقاط إحداها عبر عملية معقدة، لحظة أخري لا أنساها عندما تمكنت القوات ذاتها من تضليل صاروخ أمريكي الصنع متقدم جداً وقتئذ، كان الصاروخ يلتقط الإشارات المنبعثة من رادار قواعد الصواريخ ويحتفظ بها، فإذا أغلقت لا يتأثر، إنما يظل متجهاً إلي الرادار حتي يدمره، توصلت قواتنا إلي وسائل تحبط بها الصاروخ وتضلله في الجو، عملية فنية معقدة جداً، لعلها الحرب الالكترونية الأولي في التاريخ، اللحظة التي لا أنساها، عندما توجهت مع زميلي المصور الشجاع مكرم جاد الكريم إلي الصحراء الممتدة جنوب الاسماعيلية في منطقة طوسون، كان ذلك في أول يوليو عام 1970، فوق الرمال تناثرت شظايا حطام طائرات الفانتوم التي تساقطت بواسطة صواريخ دفاعنا الجوي في خطوة تعد الأهم علي الإطلاق في الصراع الناشب بين سلاح الجو الاسرائيلي والدفاع الجوي المصري، عدت بقطع من الفانتوم ماتزال في مكتبي بأخبار اليوم، وكتبت تحقيقاً من الجبهة نشره الأستاذ الجليل الكبير موسي صبري في الصفحة الأولي كلها، وكان بمقاييس المهنة خبطة صحفية عالمية، خاصة صور مكرم، بالطبع كنت علمت جميع الظروف التي أحاطت بإسقاط الطائرات، غير أنني لم أكتبها ولم أبح بها لأي إنسان، كان السؤال الذي يشغل العالم هو: كيف أسقطت هذه الطائرات المتقدمة المتطورة؟، هل نجحت مصر في بناء قواعد الصواريخ؟ هل أسقطت بواسطة كمائن؟ في كتاب الفريق محمد سعيد علي الذي أعرض له التفاصيل الفنية الدقيقة لذلك وهذا جزء يسير من كثير، مما يتضمنه، أثناء قراءته كنت أجد الخلفية العلمية والقتالية لما مررت به من لحظات مؤثرة وحاسمة وخطيرة، إنه أدق مرجع لمعركة الدفاع الجوي ضد سلاح الجو الإسرائيلي، معركة مصر كلها، وأعتقد أن الجيش المصري آن له أن ينشر وثائق الحروب التي خاضها، والمجهود المقدس الذي جري التعتيم عليه في الأعوام الأربعين الأخيرة والذي أدي إلي قطع الصلة بين الجيش وأهله مما جعل بعض الشباب المضلل يهتف بسقوط حكم العسكر.. مازلت أذكر لقائي بالفريق محمد سعيد علي في الجبهة قبل حرب أكتوبر، أذكر نص الجملة التي قالها لي:
«خايف اتحال علي المعاش قبل دخول الحرب..».
كان قد تولي القيادة من القائد الأسطوري للفرقة الثامنة دفاع جوي، اللواء أحمد سلامة غنيم وقد كتبت عنه كثيراً، وأدعو مدير الشئون المعنوية الحالي وهو رجل مثقف، علي مستوي رفيع من الوطنية، أن يأمر بجمع شهادات حية من ضباط وجنود الفرقة الثامنة دفاع جوي، خاصة اللواء أحمد سلامة غنيم وقادة الألوية والكتائب، أذكر أنني التقيت في القاهرة قبل حرب أكتوبر بقائد إحدي كتائب الصواريخ التي أسقطت طائرة الفانتوم التي شاهدت حطامها، كان ذلك تطبيقاً لأسلوب الكمائن التي أشرف عليها الرئيس جمال عبدالناصر شخصياً، إنها ملحمة كبري يجب ألا تضيع في خضم الزمن، لقد التزم الفريق محمد سعيد علي تعليمات الأمن الحربي زمن الحرب بعدم ذكر رتب وأسماء الشهداء من المقاتلين، من هنا لم أقرأ في الكتاب الضخم اسم قائد الفرقة أحمد سلامة غنيم عندما كان المؤلف رئيساً لأركانها، هذه نظرة يجب أن تتغير، لقد أصبحت حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر جزءاً من التاريخ، من الذاكرة التي تخص مصر كلها واستمرار التعتيم عليها فيه خسارة لمصر كلها، أتصور أن تعاوناً يمكن أن يتم بين إدارة الشئون العامة وبين المجموعة 73 مؤرخين والتي قدمت نموذجاً لما يمكن أن يتم، وسوف أضع هذه السلسلة الجديدة «الجيش المصري» والتي اقترحت إصدارها أثناء الاجتماع الأخير لمجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب والذي حضره ورأسه وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، سوف أضع هذه السلسلة كأداة لتحقيق هذا الهدف للحفاظ علي أحد الأعمدة الرئيسية للذاكرة الوطنية، كتاب «حائط الصواريخ» للفريق محمد سعيد علي وثيقة رائعة، ليتني أقدر علي نشره كاملاً في اليوميات، غير أنني أقدم نماذج مما حوي، من المرحلة الأخيرة في حرب الاستنزاف قبل وقف إطلاق النار في أغسطس 1970 والتي كنت شاهداً من موقع الصحفي علي وقائعها.
اشتعال المواجهة
صيف 1970
يقول الفريق محمد سعيد علي:
أدي وصول الطائرات الأمريكية في أوائل عام 1970 من أنواع فانتوم وسكاي هوك إلي تعقد الموقف أمام المدفعية المضادة للطائرات، إذ وقفت جميع الأنواع عاجزة تماماً أمام هذه الأنواع الحديثة، وباتت معنويات رجال المدفعية للطائرات تتأثر، من نجاح العدو باستخدام هذه الطائرات الحديثة، وإزاء ذلك النجاح بدأ رجال المدفعية المضادة للطائرات يعملون علي تطوير أسلوب الاشتباك مع هذه النوعيات، وأصبحت بعض الأساليب القديمة بما أدخل عليها من تعديلات ملائمة لتدمير العدو. لقد استخدمت الغلالات الخطية بعد تعديلها وفقاً لأسلوب هجوم العدو وزاوية الغطس، وتمكنت الوحدات بهذا الأسلوب من توفير الوقاية لمواقع المدفعية م/ط تلك المواقع التي أصبحت هدفاً رئيسياً لهجوم العدو الجوي. كما تمكن رجال المدفعية بتطوير أساليب إدارة النيران من التغلب علي مشكلة سخونة المدافع وإمكان الاستمرار في فتح النيران علي العدو، مما أذهل العدو وأدي إلي فشل هجماته الواحدة تلو الأخري واليوم بعد الآخر.
لقد نجح العدو في الأماكن التي كان الدفاع فيها ضعيفاً أو محدوداً، ففي منطقة جسر الحرش والذي لا يزيد عرضه علي 200 متر ويقع بين القناة وبحيرة المنزلة ويسيطر علي طريق الاسماعيلية بورسعيد، كان نجاح العدو ضعيفاً برغم قلة المدفعية م/ط القائمة بالدفاع والتي كانت عبارة عن بعض الرشاشات والمدفعية الخفيفة المضادة للطائرات والتي لا تزيد في جملتها علي 10 قطع، ورغم هذا الضعف الظاهر صب عليها العدو من قنابل من مختلف الأوزان بصفة دائمة يومياً، فلم تتزحزح النقطة القوية في جسر الحرش شبراً واحداً، ولم تهتز عزيمة رجالها، تحية لهؤلاء الأبطال، كذلك في منطقة بورتوفيق كان نجاح العدو محدوداً، ولم يجد أمامه من مفر من ترك الأغراض والمواقع العسكرية ليصب قنابله علي مدينة بورتوفيق بعيداً عن نيران المدفعية المضادة للطائرات التي كانت نيرانها لا تعمل إلي منطقة بورتوفيق إلا بالكاد، نظراً لاستخدام العدو للارتفاعات العالية في قصف المدينة.
معارك مايو
لن ينسي التاريخ معارك المدفعية المضادة للطائرات أيام 13، 14، 15 مايو 1970، تلك الأيام التي تحددت لدخول تجميع صواريخ الفرقة الثامنة دفاع جوي للجبهة ذلك التوقيت الذي نمي إلي العدو، فصب جام غضبه خلال هذه الأيام علي وحدات المدفعية المضادة للطائرات التي كانت قد اتخذت أوضاعها لتوفير الوقاية للمواقع الجاري إنشاؤها ولتجميع الصواريخ عند دخولها للجبهة، لا شك أن هذه الأيام لن ينساها رجال المدفعية المضادة للطائرات فبرغم ما كان فيها من ألم ومرارة، فإنها كانت نوراً وأملاً علي طريق النصر، وطريق النصر ليس بالأمر الهين وإنما هو طريق طويل صعب لا يمكن اجتيازه والوصول إليه إلا بالعرق والدم.
لقد صمدت مدينتا بورسعيد والسويس لهجمات هوجاء قام بها العدو عليهما، ولم يكن غرضه من هذه الهجمات سوي تدمير وحدات المدفعية المضادة للطائرات القائمة بالدفاع عن هذه المدن، لقد قاست كلتا المدينتين الكثير من عربدة العدو الجوية، وبالأخص مدينة السويس، التي كان يلقي العدو عليها قنابله جزافاً دون تمييز بين أغراضه، ساعده في ذلك صعوبة تحقيق دفاع متكامل عن السويس، نظراً لوضعها الجغرافي بالنسبة لخليج السويس، وجبل عتاقة.. أما بورسعيد فعلي النقيض أمكن توفير دفاع قوي حولها، ولذا وجه العدو اهتمامه إلي وحدات الدفاع الجوي القائمة بالدفاع عنها، فهاجمها يوم أول مايو 1970 في الفترة من (سعت 1600 إلي سعت 1817) بعدد 82 طائرة في مجموعات كل من 6 8 طائرة، ووجه هجومه إلي مواقع المدفعية المتوسطة المضادة للطائرات في بورفؤاد القابوطي الكارنتينا وتصدت الوحدات للعدو وأسقطت له طائرة وأصيبت أخري، ولم تصب الوحدات إلا بخسائر محدودة أمكن استعواضها قبل صباح يوم 2 مايو، وإزاء فشل العدو لم يكرر هجماته عليها بهذا الثقل إلا يوم 31/5 حيث قام العدو بالهجوم من (سعت 1400) يوم 31/5 حتي (سعت 1900) من نفس اليوم بقوة 80 طائرة في مجموعات كل من 2 4 طائرات مركزاً هجومه علي وحدات المدفعية م/ط والكباري التي تربط المدينة بباقي المدن المجاورة، ورغم عنف الهجوم واستخدام طائرات الفانتوم وسكاي هوك بكثرة فقد كانت خسائر الوحدات في الأفراد والمعدات محدودة، تحية لهؤلاء الرجال الذين وقفوا خلف مدافعهم ولم يبالوا بإلقاء النابالم أو الصواريخ الحارقة عليهم لإثنائهم عن موقفهم الصلب، الذي كانوا يقفونه في القتال ضد العدو، وسلام علي أرواح الشهداء من أبناء المدفعية م/ط الذين استشهدوا في سبيل عزة ومجد أمتهم، وسطروا لنا جميعاً أروع مثل في التضحية والفداء.
عودة الصواريخ
تحددت ليالي 28، 29، 30 يونيو 1970 لدخول وحدات الصواريخ في مواقع ميدانية تحت حماية تجميع صواريخ القاهرة، واتخذت جميع احتياطات الامن والسرية حتي لايكتشف تحرك الوحدات فيهاجمها العدو وهي متحركة او قبل ان يكتمل وجودها في ارض المعركة، وقد حققت هذه الاحتياطات ما كان مطلوبا منها، إذ فوجيء العدو صباح يوم 30 يونيو بوجود وحدات الصواريح في الجبهة وكان هذا اليوم في الوقت نفسه هو اول لقاء بين تجميع صواريخ الفرقة الثامنة دفاع جوي والقوات الجوية الاسرائيلية كان هذا اللقاء هو أول لقاء يتم بأسلوب تكتيكي جديد مستفاد من دورس الماضي، ونحمد الله انه اسلوب مصري انبثق من فكر مصري، لم يكن وليد المصادفة أوالعشوائية، انما كان نتيجة لدراسة مستفيضة لاسباب النكسات والخسائر التي ألمت بوحدات الدفاع الجوي خلال قتالها منذ عام 1967 حتي ذلك الوقت، وبرغم ما يتشدق به العدو من قدرة مخابراته العين الساهرة علي أمن اسرائيل ومايتغني به من قدرة قواته الجوية تلك الذراع الطويلة فإن كلتا الوسيلتين فشلتا في الكشف عن دخول تجميع الصواريخ الي الجبهة، فلا شك ان فشل مخابراته في ذلك انما هو دلالة علي نجاح جهازنا المصري في كبت العدو ومراقبتهم، وألي سلامة التخطيط الذي وضع لتحرك وحدات الصواريخ لدخول الجبهة، كما ان قواته الجوية برغم قيامها بالاستطلاع الجوي للجبهة يوم 29 يونيو فلم يكتشف وجود وحدات الصواريخ رغم وجودها، كما ان اجهرة الاستشعار srnsors التي طالما عملنا لها ألف حساب لم تغن العدو شيئا، فلم تتمكن هذه الاجهزة من التقاط شيء من الانبعاث الالكتروني لتلك الوحدات.
قام العدو صباح يوم 30 يونيو 1970 باستطلاع جوي للجبهة بدأه مبكرا بطلعة استطلاع للتصوير، وذلك قرابة (سعت 800) اعقبها بطلعة أخري (سعت 900) ثم تلاها باستطلاع الكتروني بعدما تأكد له ان هناك وحدات صواريخ في الجبهة نتيجة للاستطلاع بالتصوير من ناحية، ونتيجة لالتقاط اشعاع وحدات الصواريخ التي كانت جاهزة لقتال العدو من صباح ذلك اليوم، وبرغم ان نشاط العدوفياليوم بلغ 125 طلعة طائرة وهو عدد كبير نسبيا فإن العدو لم يوجهه منذ الصباح الي تجميع صواريخ الفرقة الثامنة دفاع جوي حتي تم له تحديد الاوضاع علي الارض نتيجة للاستطلاع الجوي والالكتروني الذي قام به واتمام تجهيز خطة مهاجمة تجميع الصواريخ، فالعدو لايقبل علي القيام بأي هجوم الا اذا كان عارفا بمواقع الوحدات، ولقد ركز العدو هجماته الجوية منذ الصباح علي المنطقة الواقعة بين رأس العش بالقنطرة، ولم يكن الغرض هو قصف القوات الموجودة في هذه المنطقة وانما كان سببه واستمرار نشاطه بعيدا عن تجميع صواريخ الفرقة الثامنة دفاع جوي الذي احس بوجوده، وفعلا كان القطاع الشمالي من الجبهة ذلك القطاع الذي ركز العدو عليه هجماته الجوية خارج مناطق التدمير.
(سعت 1600) يوم 30 يونيو 1970 بدأ اول هجوم للعدو علي تجميع صواريخ الفرقة الثامنة دفاع جوي فتحت ستارة كثيفة من التداخل واهداف المشاغلة، بدأ العدو في مهاجمة لواء الجنب الايسر ل 95 صواريخ للفرقة بنحو 16 طائرة فانتوم وسكاي هوك واستمرت الهجمة لمدة 20 دقيقة ولم ينجح العدو في اصابة اي كتيبة من كتائب اللواء التي هاجمها سوي اصابة جهاز الانذار لكتيبة واحدة.
وتمكنت كتائب اللواء في هذه الهجمة الجوية من تدمير طائرتين مؤكدة (فانتوم سكاي هوك) وطائرة اخري غير مؤكدة وهبط 3 من طياري العدو اسري في يد قواتنا لقد كانت خطة العدو للهجوم علي اللواء تتلخص في تركيز الهجوم علي مواجهة اللواء مع التركيز علي الجنب الايسر للواء بغرض تدمير كتائب هذا الجنب وقد تخصص لذلك الغرض في مجموعة من اربع طائرات وانتهت هذه الهجمة ولم تتأثر الكفاءة القتالية للواء.
وفي (سعت 1630) بدأت الهجمة الثانية للعدو علي لواء الجنب الأيمن للفرقة اللواء 97 صواريخ بنحو 24 طائرة ميراج وسكاي هوك وفانتوم في مجموعات متتالية، اقتربت الطائرات فوق البحيرات المرة الكبري في اتجاه مدينة فايد مستغلة هذا السطح المائي في الطيران علي الارتفاع المنخفض جداً، وبرغم ذلك فقد أمكن كشفها رادارياً بواسطة وحدات الرادار والإنذار، وتم الإبلاغ عنها في حينه للوحدات، إلا أن طبيعة الأرض المرتفعة التي يتخللها العديد من الأودية العميقة قد ساعدت العدو في الاقتراب من الكتائب الأمامية للواء 97 صواريخ دون أن تتمكن وحدات اللواء من اكتشافها، ولقد تمكن العدو بتغيير أسلوبه في مهاجمة الوحدات من النجاح في هذا القطاع، ولم يكن نجاحه هذه المرة راجعاً إلي أسلوبه الجديد الذي استخدمه في مهاجمة كتائب الصواريخ فقط أو في مدي ما قدمته له الأرض من مزايا في الاقتراب دون أن يتم كشفه رادارياً بواسطة محطات توجيه الصواريخ بقدر التردد وعدم التزام المبادأة بواسطة قادة الوحدات، مما مكن العدو من مهاجمة كتائب النسق الأول للواء وتدمير معظم سرية الرادار في كتبتي صواريخ، هذا هو الهجوم الذي نجح العدو فيه في هذا اليوم، لقد استشهد كل من المقاتل شطا والعجمي، وهما قائدا أطقم القتال في الكتيبتين سالفتي الذكر وقت الهجوم، واستشهد معهما عدد من مقاتلي أبناء مصر، هؤلاء الرجال الذين وهبوا أنفسهم لمصر، ولم يبالوا ولم يتخاذلوا وهم يقاتلون العدو في مواقع مكشوفة لا تيسر لهم أي وقاية.
لقد أدي تدمير الطائرات الإسرائيلية علي مرأي من قواتنا وهبوط طياري العدو بالمظلات إلي رفع معنويات قواتنا الموجودة بالجبهة والتي شاهدت أول معركة جوية بين وحدات الصواريخ والطائرات الاسرائيلية.
ليال صعبة
انتهت حرب الاستنزاف في الثامن من أغسطس عام 1970، دخلت الصواريخ إلي قواعدها وبدأ تكامل منظومة الدفاع الجوي، الفرقة الثامنة التي حملت عبء المواجهة، وإنني لأتوقف أمام هذه السطور البليغة لقائد الفرقة والتي يصف فيها الجهد قبل العبور الكبير.
كان لابد من أن نكسر الجمود الذي يحيط بالتدريب، وفعلا اهتدينا إلي حل، لقد وجدنا في الليل فرصة سانحة للتغلب علي مشكلاتنا حيث يتوقف نشاط العدو، وليل الشتاء ما أطوله إلا أنه من الناحية الأخري ما أسأمه، فبمجرد أن يسدل الليل أستاره تزداد برودة الجو رويداً رويداً، فإذا علمنا أن الكثير من الوحدات تتواجد علي هضبات مرتفعة قد تصل ارتفاع بعضها إلي 300 متر عن سطح البحر وفي مناطق صحراوية جبلية لاتضح لنا مدي برودة الجو في هذه المواقع، لقد كانت درجة الحرارة تصل إلي الصفر في كثير من الأحيان، وتتجمد المياه، وكان علي الوحدات أن تقوم بنشاطها التدريبي في مثل هذا الجو، استعداد بالنهار وتدريب بالليل، لقد وجد مقاتلو حائط الصواريخ عزاء في عملهم الليلي أشعرهم بالدفء، لقد كان العمل علي المعدات في الليل القارس البرودة عملاً محتملاً، إذ كانت المعدات الالكترونية التي يعملون عليها تشع الدفء في أماكن عملهم، مما جعلهم يستعذبون العمل ليلاً، غير أن ما كان يحيل هذا الدفء إلي جحيم هو استكمال التدريب خارج المعدات، وكان عليهم أن يتدثروا خلال هذا النوع من التدريب بكل الوسائل المتيسرة لقد كان تدريبهم يمتد إلي الفجر تقريباً، يليه قسط محدود من الراحة لتبزغ بعدها أضواء النهار، وتدور العجلة من جديد استعداد في النهار أو صيانة للمعدات وتدريب في الليل، ما أعذب الإرهاق علي قلوب هؤلاء الرجال، ما أعذبه وهم يتنافسون في أداء الواجب وما أعذبه وهم يعدون أنفسهم بصدور مفتوحة لمعرفة كل جديد، وما أروع هؤلاء الرجال، رغم الإرهاق.
تحية لروح الفريق محمد سعيد علي وأبطال الفرقة الثامنة دفاع جوي والذي يكشف كتاب «حائط الصواريخ» عن صفحات رائعة من نضال مصر كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.