د. رمضان رمضان متولى لكل أمة قوة روحية ومعنوية من خلال ما يقدمه روادها ومبدعوها وعلماؤها وشعراؤها وفنانوها من أفكار ومبادئ ومثل وأخلاق. لقد سبقت مصر صاحبة التاريخ الحضاري العريق أمم الدنيا في الاهتمام بالقوة الناعمة وتوظيفها التوظيف اللائق بها في خدمة مجتمعها ورقيه وتحضره وتقدمه وكان قاسم أمين أول من كسر حدة البداية بإصداره كتابه» تحرير المرأة «عام 1898م . كما كان لرائد الاقتصاد المصري طلعت حرب دوره الريادي في هذه الحقبة المبكرة من تاريخ مصر وذلك بإصداره كتابا بعنوان «تربية المرأة والحجاب» وكان عمره آنئذ 32 سنة، ثم أعقبه بكتاب آخر تحت عنوان «فصل الخطاب في المرأة والحجاب» واستكمالا لرسالته التنويرية في خلق قوي ناعمة أخري لمصر أنشأ طلعت حرب فرقة مسرحية، ساهمت إلي جانب فرقة عكاشة التي بسط عليها رعايته المادية والأدبية في خلق نهضة مسرحية وفنية . وكما نردد في أحاديثنا: « مصر ولادة «، فقد توالي وتتالي ظهور رواد التنوير والتثقيف والتحديث من أبناء مصر، أولئك الذين آمنوا وعملوا علي نشر الثقافة في ربوع وادي النيل، إيماناً منهم بأن الثقافة تنشط الخيال والإبداع، وأنه من خلال هذه القوي الناعمة تنتج مصر وتتقدم وتتبوأ مكانة سامية جديرة بها بين دول العالم المتحضر ... وهكذا وصلت الراية إلي ساعد قوي وفنان مبدع وعالم غزير الثقافة والعلم، ربيب للعلم والعلماء والحكماء: إنه الدكتور سعيد توفيق، أستاذ الفلسفة في آداب القاهرة والذي تولي أمانة المجلس الأعلي للثقافة، فحمل الأمانة في حب ووطنية وصدق وإخلاص، وآل علي نفسه من أول يوم عمل، أن يحول هذا الجهاز إلي مركز إشعاع حضاري وتثقيفي وتنويري، إيماناً منه بأن الثقافة الجادة الرصينة عنصر فعال في تنمية الخيال والإبداع، وأنه من خلال ما يقدمه هذا المجلس من أنشطة ثقافية وإبداعية تتمثل في طبع العشرات من الكتب والأبحاث، وعقد الندوات والمؤتمرات الثقافية والأدبية والإبداعية، وتقديم الجوائز للمبدعين المتميزين .وبهذه الحكمة التي حباه الله بها رفع شعاراً ثورياً سيراً علي درب أستاذه طه حسين مضمونه القيمي: أن الثقافة والمعرفة حق لكل مواطن يعيش علي أرض مصر كحقه في الماء والهواء. وبهذا المنطق وهذه الحكمة راح هذا الرائد التنويري الحكيم يواصل ليله بنهاره لرسم سياسة ثقافية تعبر عن مكانة وحضارة وعراقة مصر وتراثها الحضاري الخالد .. ولم يدخر جهداً في تحقيق هذا الدور التنويري ،فنراه يسافر إلي آخر حدود مصر ويزور منطقتي حلايب وشلاتين ،رغم شدة الحرارة هناك، ويلتقي بشيوخهما وأهلهما ويعود إلي العاصمة ويلقي الضوءعلي مشاكل وهموم تلك القطعة العزيزة من أرض مصر من خلال دراسة علمية جادة في الزميلة الأهرام.ويحمد لهذا الرائد موقفه الوطني الثوري يوم أقدم علي الاستقالة من منصبه حين تربع الوزير الإخواني « علاء عبدالعزيز» في غفلة من الزمن علي كرسي وزارة الثقافة، ولما انكشفت الغمة بعد ليل مظلم حالك السواد، طلع علي مصر نهار مشمس جميل ببزوغ فجر ثورة 30 يونيو، وذهاب الدولة الدينية الغاشمة إلي غير رجعة، فعاد سعيد توفيق إلي موقعه، ليواصل رسالته التنويرية في أمانة المجلس الأعلي للثقافة. عاد بقلب وفكر نابض بالحياة والوطنية الصادقة، وشرع في رسم سياسة تثقيفية رفيعة، تعبر في صدق وأمانة وإخلاص عن مبادئ ثورة 30 يونيو، واختار قيادات معاونة له، ذات كفاءات وخبرات عالية ،وإخلاص نادر، ونية طيبة، لتبدأ عجلة الثقافة في الدوران من جديد، في همة ونشاط وحماس وروح وطنية وثابة، فاختار الدكتور طارق النعمان، تعاونه « غادة الريدي «، وهي دينمو المجلس ونحلته الشغالة ،التي لا تكل ولا تمل من العمل المتواصل ليل نهار، في تنظيم ومتابعة نشاط وأعمال لجان المجلس ومؤتمراته، وندواته ،وحلقاته البحثية، متنقلة في خفة الفراشة بين أروقة المجلس والمطابع التابعة له، حتي تحول المجلس إلي خلية نحل شغالة، يقظة، يتضافر الجميع فيها، من رئيسه إلي معاونيه وعماله ،مواصلين ليلهم بنهارهم لأداء الأمانة علي أكمل وجه، هادفين إلي تيسير سبل الثقافة للشعب، وربطها بالقيم الروحية، وذلك بتعميق ديمقراطية الثقافة، والوصول بها إلي أوسع قطاعات الجماهير،مع تنمية المواهب في شتي مجالات الثقافة والفنون والآداب، وإحياء التراث القديم، واطلاع الجماهير علي ثمرات المعرفة الإنسانية ،وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية .وليعود للكتاب المصري والمجلة المصرية، ولرواد وجنود الإبداع والتنوير دورهم الريادي في نشر قيم الخير والحق والجمال لتسهم في تشكيل وجدان المواطن المصري والعربي ولتعود للكلمة المصرية المكتوبة والمرئية والمسموعة دورها وتأثيرها الفعال في تشكيل الوجدان الجمعي للأمة العربية، لإحياء القومية العربية التي أرسي مبادئها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وجاء القائد الوطني عبد الفتاح السيسي ليكمل البناء في عزة ومنعة، ويعيد لهذه الأمة مجدها وعزتها وشموخها.