لا أتصور أن أزمة سد النهضة في طريقها الي الحل في وقت قريب لان هناك اطرافا خارجة- بالتحديد تركيا وقطر- تنفخ في النار- وتسعي الي تصعيد الازمة بين مصر وأثيوبيا.. وفي ذات الوقت لا أتوقع ان الازمة سوف تستمر الي تصعيد أكبر والي حد المواجهة فإن كلا الطرفين في حاجة الي التهدئة حرصا علي العلاقات التاريخية وعدم الدخول في طريق مسدود. ويمكن ان يؤدي الي الاضرار بمصلحة الجانبين في مجري النهر الازرق الذي يجمع بينهما منذ الازل وبحيث يمكن الاستفادة المشتركة من ذلك السد الذي قد يحرم مصر جزءا من نصيبها من مياه النيل وفي ذات الوقت لن يحقق التنمية التي تريدها اثيوبيا مالم يتم التوافق بين البلدين، علي الاسلوب الامثل لحل الازمة.. وقد بدأ سد النهضة كمشروع قومي علي يد ميليس زيناوي قبل رحيله وبدون الرجوع الي اي دولتي المصب- مصر والسودان- وبدون التفاهم علي الضرر الذي يلحق بحصة كل منهما في مياه النيل لو استمر بناء السد بدون اجراء حسابات فنية دقيقة حتي لا يتعرض السد للانهيار. وأهم الاثار السلبية التي رصدها تقرير اللجنة الدولية التي تدرس المشروع تتركز في ان اللجنة الهندسية ودراسات الامان لم تصل الي المستوي التقني للبدء في المشروع وفي الوقت الذي لم تقدم فيه اثيوبيا دراسات الجدوي والتكلفة اللازمة ،وطبقا للتقرير الدولي فإن بناء سد النهضة- بهذا الاسلوب سيتسبب في تقليل معدلات تدفق المياه الي دول المصب- مصر والسودان وهو ما لم يمكن اللجنة من تقييم الاثر الحقيقي للسد، كما حذر التقرير من انه في بداية ملء خزان المياه خلف السد في سنوات الجفاف،حيث يصل السد العالي في مصر الي اقل المستويات في التشغيل علي الاقل خلال السنوات الاربع الاولي من بدء الملأ فضلا عن وجود تأثير قوي علي امدادات المياه الي مصر وينسحب ذلك علي مزيد من خسارة الطاقة. واوضح التقرير الدولي ان هناك توقعات بآثار سلبية علي قلة الزراعات في المناطق والغابات علي النيل الازرق وكذلك التأثير علي امدادات المياه الجوفية علي طول النيل الازرق.. وخلال التشغيل سيكون هناك تأثير مباشر علي مياه الري في مصر في سنوات الجفاف.. وكما قال وزير الزراعة ايمن فريد أبوحديد انه في حالة انشاء السد في فترة الملء التي اعلنتها اثيوبيا ستقل المساحة الزراعية في مصر لانه سيتسبب في تقليل امدادات المياه وهو ما سيكون له تأثير مباشر علي الامن المائي المصري!!. وقد نجحت مصر في التحرك عالميا في ملف مفاوضات سد النهضة لايقاف استخدام جزء كبير من المنح والمساعدات التي تمنح لاثيوبيا وقميتها 3.7مليار دولار في غير الهدف المخصص لها وهي مواجهة الفقر والمجاعة ومكافحة الامراض وليس لبناء السدود دون علم المانحين كما كان يحدث من قبل، وقامت مصر بابلاغ المانحين بالأضرار الكارثية التي ستقع علي ملايين المصريين في حالة بناء سد النهضة دون توافق مما اسهم في ارجاء عدد من المؤسسات الدولية «التمويلية» للقروض المقترح تقديمها لاثيوبيا كدعم تكاليف بناء السد موكدا أن أديس أبابا ستعاني من ضائقة مالية نتيجة الضغوط المصرية علي الممولين الإقليميين والدوليين. كما نجحت مصر في ارجاء قرض من الصين قيمته مليار دولار وكانت قد وافقت علي منحه لاثيوبيا.. ان قلة التمويل يدفع اثيوبيا الي تجنب ارتفاع تكاليف السد وبما يؤدي الي عدم بنائه بالشكل الهندسي المطلوب توفيرا للنفقات وعدم اكتمال بناء سد النهضة بالمواصفات الهندسية الدولية وطبقا لمعايير الامان يمثل خطرا كبيرا علي الخرطوم وسط تحذيرات من انهياره.. بينما كشفت مصادر اثيوبية ان هناك خطة للسيطرة علي مياه النيل الازرق بهدف بيع المياه الي مصر وهو هدف سياسي!. ويبدو التصلب الاثيوبي ضد مصر في حديث رئيس الوزراء الاثيوبي ديسالين خليفة زيناوي عندما يقول مستعدون لاي مواجهات بشأن سد النهضة، وهو ما يعني ان اثيوبيا مستمرة في التحدي.. وتحاول الحكومة الاثيوبية ان تمارس ضغوطا علي دول المنبع لتحريك الاتفاق الاطاري الشامل المعروف باسم اتفاق عنتيبي،وانها عدلت الاتفاق بالفعل بينما اعادت كينياوأوغندا وبوروندي المشروع للبرلمان، وبينما تواصل اثيوبيا الضغط علي تنزانيا للموافقة والواضح ان هناك ظروفا سياسية داخلية هي التي تؤدي الي ان تتخذ اثيوبيا هذا الموقف المفاجئ لبناء السد رغم عدم قدرتها علي توفير التمويل اللازم. وكما قال المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ان قضية بناء سد النهضة تتطلب ضمان التوازن في المصالح بأن تحصل اثيوبيا علي الطاقة والكهرباء وتحصل مصر علي المياه والوقت لم يسرق ولم نخسر في هذا المجال. وقد جاءت جولة محلب الافريقية في توقيتها وعاد التواصل مع دول حوض النيل بما يخدم مصالحها واحتياجاتها بعد ذلك الانقطاع لسنوات.. وبالنسبة للمبادرة المشتركة التي طرحتها أوغنداوتنزانيا فإن مصر منفتحة علي الحوار مع الاشقاء الافارقة ولكن المبادرة مازالت في صورة افكار عامة ولم تتبلور في صورة نهائية. وكما أكد نبيل فهمي وزير الخارجية ان حل ازمة سد النهضة يقتضي التوصل الي اتفاق وتوافق مع السودان واثيوبيا وبما يضمن مصالح الدول الثلاث ودول حوض النيل ككل.. وأكد ان مصر تسعي الي الاستفادة من كل فرصة ممكنة لايضاح موقفها.. ولكن الصدام ليس حلا للازمة!! وكما اوضح ابراهيم محلب: ان موضوع سد النهضة الاثيوبي ليس حربا ويجب ان يدار انطلاقا من توازن المصالح وايجاد صيغة توافقية تحقق مصالح الجميع.. من حق اثيوبيا انتاج الكهرباء لكن في الوقت نفسه عدم الاضرار بحقنا في الحياة التي تمثلها مياه النيل!!.