هل يمكن الاعتماد علي الطاقة المتجددة؟ هل يمكن أخذها في الاعتبار عند التخطيط لمستقبل الطاقة في بلد ما؟ يسأل صاحبنا متشككاً، وتأتي الإجابة علي السؤالين بنعم. فيستطرد مصدوماً مدهوشاً، ولكن كيف ذلك والطاقة الشمسية والرياح تتغيران تبعا للزمن؟، فلا الإشعاع الشمسي دائم ولا معدلاته مستقرة من الشروق إلي الغروب، وكذلك الرياح، وتأتي الإجابة الأكثر إدهاشاً له- باستخدام نظم التنبؤ والتخطيط قصير وطويل المدي، تماماً كما نتنبأ بالأرصاد الجوية، ونثق في نتائجها حاملين المعطف والمطرية يقيناً أنها بعد ساعتين سوف تمطر رغماً عن الشمس الساطعة الآن !!. وقبل التطرق إلي تفاصيل تلك الإجابات ننوه إلي تخطي مشاركة المصادر المتجددة لنصف القدرات المركبة عالميا للإمداد بالكهرباء علي مدي العامين السابقين لتبعث برسائل واضحة وصريحة تؤكد ثقة متخذي القرار والمستهلكين في اعتمادها كمصادر قادرة علي مواجهة الطلب بأسعار منافسة ومخاطر محدودة خلافاً لما تكابده المحطات الحرارية جراء تغير أسعار الوقود كونه رهينة لمؤثرات سياسية واقتصادية تتشابك فيما بينها، ولعل سيطرة الميليشيات المسلحة علي موانئ النفط شرق ليبيا، واستخدام روسيا لورقة الغاز في موقفها من أزمة أوكرانيا خير دليل علي ذلك. لذا تعتصر دول العالم ليمونة مصادر الطاقة، فلا تنفك تكتشف مصدراً محلياً إلا واستفادت منه، مقصدها من ذلك الاكتفاء الذاتي وامتلاك التكنولوجيا. في عام 2004 أصدرت ألمانيا قانوناً تشتري بموجبه الطاقة المتجددة بتعريفة تغذية مميزة لمدة عشرين عاما، حدث هذا وقت أن كان سعر الخلايا الشمسية خمسة أمثال نظيره الحراري، واليوم تقود التكنولوجيا الألمانية قطار الخلايا الأوربي، في حين تتصدر الصين الأسواق الآسيوية لتخفض أسعار الخلايا بنحو 90% خلال عشر سنوات، إيذاناً بانتشارها فوق أسطح المباني، وكمحطات تغذية مرتبطة بالشبكة. وها هي يد التخطيط تمتد إلي القمامة تصنفها وتعيد استخدام ما بها من ورق وزجاج وبلاستيك. وما تبقي منها حرقته لإنتاج الكهرباء أو الحصول علي حرارة، أو خمرته لإنتاج غاز الميثان، لذا تنتشر في قري الصين مخمرات المخلفات الحيوانية والنباتية لتمد المنازل عبر شبكات أنابيب بالغاز. أما طاقة الرياح فيكفي أن نذكر أن قدراتها تتصدر كافة المصادر المتجددة، حوالي 250 ألف ميجاوات. وبالنسبة لمصر تتوافر الموارد الطبيعية من طاقة شمسية ورياح وأراض صحراوية تنتظر من يستثمرها ويُكسبها قيمة مضافة، في واقع يعاني فيه المستهلكون من عجز الإمدادات، وتكابد فيه الدولة مشقة الوفاء بالواجبات، ومع هذا لا تتخطي مساهمة طاقتي الشمس والرياح 2% في منظومة الكهرباء متأثرةً بطول الوقوف علي عتبة التردد مكتفين بأهداف مستقبلية ترقد في ضفة الأمنيات، يظللها الشك في إدراجها ضمن قائمة المصادر محل الثقة، فضلاً عن ارتباط مشروعاتها بالتمويل الخارجي المقيد بشروط والخاضع دائما وأبداً للمناخ السياسي، وغير ذلك من الأسباب التي يختلف تأثيرها علي تنمية تطبيقات الطاقة المتجددة. ونعود إلي نظم التنبؤ بالمصادر الطبيعية «الإشعاع الشمسي وسرعة الرياح» وبرامج التخطيط المستقبلي مختلفة المدي، وللإجابة بشكل عملي نستعرض منظومة الطاقة المتجددة في ألمانيا والتي شاركت قدراتها عام 2012 بنحو 36% من إجمالي القدرات المركبة مما يشير إلي شبكة قوية منخفضة المخاطر تحكمها آليات مرنة لا تكابد عناء تغير عطاء الشمس والرياح علي مدار اليوم. علماً بوجود أربع شركات لنقل الكهرباء وهو وضع أصعب فنياً من وجود شركة واحدة تحدث شبكاتها وخططها المستقبلية سنوياً. في عام 2012 أصدرت شركات نقل الكهرباء الألمانية خطة مستقبلية تستهدف تشغيل 130 ج. و. مصادر متجددة بحلول عام 2023، ترتفع إلي 152 ج.و. في عام 2033، في حين تتوقف القدرات المركبة عند 100 ج.و.، ولا تحتاج الأرقام إلي حديث حيث تصبح المصادر الحرارية نسبة من المتجددة، وليس العكس كما هو سائد الآن!!. من جهة أخري فإن الحمل الأقصي المتوقع عام 2023 ينتظر أن يصل إلي 88 ج.و. يغطي من المصادر الحرارية وقت الذروة. ولاختبار دور المصادر المتجددة في سيناريو 2023 أجري معهد فراونهوفر الألماني تحليلاً لمساهمة كل مصدر منها اعتماداً علي بيانات سرعات الرياح والإشعاع الشمسي المسجلة لأعوام سابقة بين ارتفاع خرج الطاقة الشمسية في ألمانيا صيفاً، والرياح شتاءً، تخللتها فترات حققت الطاقة المتجددة فائض إنتاج مقارنة بالأحمال، في حين استدعي تغير الحال تدخل المحطات الحرارية لتغطية العجز. من هنا يضع مسئولو التخطيط نسق تشغيل منظومة إنتاج الكهرباء طبقاً لنوعية المحطات، ونوع الوقود المستخدم، وتكاليف الإنتاج، علاوة علي برامج الصيانة. لذا، توضع المحطات النووية، والعاملة بالفحم للتشغيل طويل المدي، نظراً لحاجتها إلي مدد طويلة لبدء الإنتاج تصل إلي عدة أيام- وثانياً لانخفاض تكلفة إنتاجها. من جهة أخري، تحتاج محطات الطاقة المتجددة نظم تنبؤ بالظواهر الجوية يختلف مداها بين قصير وطويل المدي، وتتناسب دقتها عكسياً مع زيادة الأمد، تمنح مشغلي الشبكة الفرصة لوضع جداول تشغيل مستقبلية لكافة أنواع المحطات بما فيها محطات الدورة المركبة والغازية والتي تتسم بسرعة الاستجابة للأحمال. إن استخدام نظم تنبؤ بسرعات الرياح والإشعاع الشمسي يثمن دور المحطات المتجددة ويرفع قيمة إنتاجها في الشبكة، ويساعد مشغلي المحطات من وضع تصورات تصل إلي عشر سنوات قادمة، علاوة علي توفير الوقود المستهلك في المحطات الحرارية وخفض ساعات تشغيلها والاعتماد عليها كاحتياطي استراتيجي وصولاً إلي تكوين خليط طاقة غير تقليدي مطمئنين إلي وضع دولة بحجم ألمانيا في قبضة الريح !!.