لازالت تربيتها الحانية علي كتفي تلازم خيالي كلما جد الجد أو اشتدت الأزمات. ولازلت أستشعر يدها تمسح علي رأسي تواسيني وتشد من أزري. لازلت أسرح وقد أصبحت في عمر ( المعاش ) في ملامحها الطيبة وهي تدعوني وأنا في عمر الزهور أن أكتفي بهذا القدر من المذاكرة وأخلد إلي النوم فقد بذلت من الجهد ما يكفي ، لازال صوتها الحنون الدافئ يرن في أذني كلما سمعت عبارة كانت ترددها أو شاهدت فيلما كانت تضحك عند مشاهدته ، حتي إنني كثيرا ما التفت وقد هيئ إليّ أنها تنادي عليّ ، وأسرعت وراء وجه يشبهها أملا في استعادة صورتها ، قد كنت يا أمي واحة راحة وأمان ألجأ اليها في كل وقت، فأجد فيها الهدوء والسكينة والاطمئنان ، والآن وقد غادرت إلي دار البقاء وتركتني - إلي حين في دار الفناء أجدني دائما أفتش في ثنايا الذاكرة عن كلماتك ومواقفك ، عن نصائحك ودعواتك ، وأسترجع بجد أكثر أفعالي وسلوكياتي معك ، أعيد تقييمها وأنا ترتعد أوصالي خشية أن أكون أغضبتك في يوم ما دون أن أدري ، فأخسر رضا المولي عز وجل ، فقد حذرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من أن يذهب والدانا إلي دار البقاء دون أن نحصل علي رضاهما. فقال: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة ، ودعانا إلي حسن صحابتهما خاصة الأم عندما جاء رجل إليه صلي الله عليه وسلم سائلا: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك قال: ثم من ؟ قال: أمك قال: ثم من ؟ قال أمك قال: ثم من ؟ قال أبوك ، وقد أمرنا المولي عز وجل بالإحسان إلي والدينا في قوله تعالي قائلا " وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبرأحدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيرا " وهكذا ربط سبحانه وتعالي بين التوحيد به والإحسان للوالدين ، والإحسان إليهما لا يرتبط بإحسانهم إليك أو حتي بطاعتهم للمولي عز وجل فعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت علَي أمي وهي راغبة ( أي غير مؤمنة ) أفأصل أمي ؟ قال: نعم صلي أمك وبهذا المنهج الإسلامي الرفيع لا ينقطع الإحسان للوالدين مهما تعددت الأسباب واختلفت المواقع ففي حياتهما يكون بالرعاية والطاعة وبعد مماتهما يكون بالدعاء والصدقات والأعمال الصالحة ، وهكذا يا أمي فذكراك وأبي لا تبتعد عني فهي تلازمني مع ذكر الله سبحانه وتعالي بالدعاء لكما بالمغفرة والعفو وأن يرضي عني بفضل رضاكما.