ندى بائعة الشاى تحلم بأربعة جدران قال أحد مفكري وعظماء المانيا : إن الفقر هو أحد أضلاع المثلث الشهير الذي يضم معه المرض والجهل، فإذا تجلي هذا المثلث الثلاثي الاضلاع في مكان ما، تأكد أن الشعب- أي شعب- مهما كانت حضارته وعراقته سوف يكفر بالدولة وآلياتها ونظامها ولسوف تنتحر القيم الوطنية داخل كل إنسان. هذا المفكر الالماني عندما قال هذه الحكمة لم يكن يعرف البلوك رقم 5 ورقم 6 في شارع المطار في حي امبابة بالجيزة ، فلو انه بيننا اليوم لم يكن قائلا لهذه الكلمات السابقة، لانه سيعد جيشا اوله في المانيا واخره في الوراق لانقاذ قاطني هذه البلوكات الذين يعيشون تحت الارض في انفاق وبادرومات عبارة عن غرف متجاورة مساحتها متران في مترين، حوائطها مائلة واسقفها تتخللها الباريمة في انتظار القدر للسقوط علي رؤوس من اسفلها ، القمامة تشارك السكان في هذا المكان ، والثعابين تزحف علي ارجائه ، والحمامات مشتركة ،بين هذه الغرف، والجردل وسيلة الاستحمام ، والاب والام يتحولون الي امناء شرطة لحراسة بناتهم واولادهم عند الشروع في الدخول الي دورات المياه. عينان سوداوان وابتسامة رقيقة تعلو جسد نحيل تجلس امام « نصبة شاي « ..قلب يدق بارتجاف مع كل زبون يأتي لاحتساء كوب من الشاي ، فالنوايا قد تكون خبيثة في منطقة البلوك رقم 6 بشارع المطار بالكيت كات التي تعج بتجار الكيف والمزاج والهوي ..انها ندي ذات السنوات العشرة في العمر اخواتي الاربعة ومصاريف مدرستي والمشاركة في مصروف البيت سبب جلوسي امام نصبة الشاي ..فهذه النصبة أرحم من الفقر والحياة البائسة ..فالجنيهات التي اتكسبها في نهاية كل يوم تكفي لسد رمق اسرة مكونة من 6 اشخاص عائلها الاكبر هو ابي الذي يعمل ارزقي في جمع القمامة علي باب الله ..تتوقف ندي عن الكلام ، وتنظر الي النفق الذي تسكن فيه في البلوك رقم 6 او ما نطلق عليه اهل البندر « البدروم»..تواصل ندي حديثها مشيرة بيديها الي هذا النفق قائلة « هنا ، وهنا كانت ولا تزال طفولتي ، اعيش مع ابي وامي واشقائي الاربعة في غرفة 3 متر في 2 متر ، وحمام مشترك مع باقي الاسر التي تعيش في هذا النفق. الابتسامة تعود مرة اخري الي شفاه ندي قائلة : ما اصعب ان تذهب الي الحمام في حراسة الاب والام واشقائك حتي يحموك من نظرات الخلق وجنون المدمنين ومتعاطي المخدرات..احساس لا يمكن وصفه ..احساس عدم الامان والخوف الذي لا ينقطع ، الامان والطمأنينة هدف منشود لي في الحياة نفسي اشعر بهذا الامان واذوق طعمه ..نفسي ألعب مع أقراني بعيدا عن حقن الماكس والهيروين والسرنجات التي تنافس القمامة في البادروم الذي اسكن فيه ..اتمني ان يعيش اشقائي الاربعة في بيئة افضل صحيا وتعليميا ..نفسي انام دون ان اخاف من سقوط سقف غرقتنا بعد ان تصدعت جدران غرفتنا البالية بسبب مياه المجاري والصرف الصحي الخطر لا يحيط بي وبأسرتي اثناء النوم ، ولكن يطاردني خلال عملي اثناء فترة الاجارة والعمل علي هذه النصبة ، فانفجار انبوبة البوتاجاز قد يكون سببا في اي وقت للذهاب الي الاخرة قبل ان اري الحياة !!..هكذا تقول ندي الذي مؤكدة ان الحياة لديها ستبدأ عند شعورها بالامان والذهاب بعيدا عن هذا المكان الذي تقطن به والجلوس في شقة من اربعة حوائط وحمام ومش مهم المطبخ !!..المهم يكون فيه باب بيتقفل علي اسرتي ..ودعنا ندي والابتسامة لا تزال تعلو جنتيها لتقول لنا: « معلش ..نسيت اعزمكم علي كوب شاي.. احنا فقراء لكن كرماء!