صبرى غنىم - أعجبتني شجاعة إبراهيم محلب كأول رئيس حكومة في مصر يقتحم مشاكل عمال غزل المحلة علي الطبيعة وفي عقر دارهم.. لم يحدث لأي رئيس حكومة أن ارتدي الكاجوال وقرر أن يطرق باب العمال ويفرض نفسه عليهم ضيفا ليتعرف علي مشاكلهم من داخل البيت. رفض محلب فكرة إرسال مندوبين له والاجتماع بالعمال لأنه يري أن هؤلاء العمال هم أهله ولا يجوز تجاهلهم وهو يعرف مدي تأثير زيارته لهم.. لذلك لم يكن غريبا علي محلب أن يقوم بهذه الزيارة التي مهدت لها أجهزة الإعلام في الوقت الذي رفض أن يستسلم لنصائح المقربين منه والذين طالبوه بإرجاء الزيارة لحين تحقيق مطلب واحد من مجموعة مطالب هؤلاء العمال حتي يحسنوا استقبالهم له.. أصر محلب علي الزيارة وهو علي قناعة بأن طبيعة العامل المصري وما يتميز به من شهامة وحياء سوف يقدر قيمة زيارة المسئول اليه فما بالك عندما يكون المسئول هو رئيس الحكومة نفسه.. ولأنه أول رئيس حكومة ينتقل من القاهرة ويذهب الي العمال في مقر عملهم فمن حقه أن يقول هذا لأننا عاصرنا في عهود سابقة وقفات احتجاجية كثيرة لعمال غزل المحلة وكان الوزراء المعنيون يلتقون بممثلي العمال في القاهرة ولم نسمع أن وزيرا ترك مكتبه وانتقل الي العمال ليسمع مطالبهم.. جميع المفاوضات كانت تتم في القاهرة وكانت معظم المفاوضات تصاب بالفشل ويزداد الموقف اشتعالا بسبب عدم ثقة العمال في المسئول الذي يستمع لمطالب ممثليهم .. - إبراهيم محلب تفوق علي نفسه وهو يقرر أن يقتحم المشكلة في داخل البيت ويذهب للعمال علي قدميه، اختار أن يكون عاديا في مظهره، أرتدي الكاجوال واصطحب معه وزير الإدارة المحلية وكانت وزيرة العمال قد سبقته، ورأي كتلا بشرية من العمال وهي تسد بوابات المصانع وكأنها تكتلت لتعوق دخوله الي المصانع وعندما مد يده للعمال مدوا ايديهم في يده وأفسحوا له الطريق بعضهم رحب به والبعض كان فاترا في اللقاء وفجأة تغيرت مشاعرهم وتوحدت مع المحتفين به، اكتشفوا أن الرجل أحرجهم بوقفته الشجاعة.. لم يجاملهم بل أبدي اعتراضه علي ظاهرة التظاهر من خلال عتاب أخوي، استشعروا منه أنه ذلك الرجل الذي يشعر بأوجاعهم .. - وكون رئيس الحكومة يفتح قلبه لعمال المحلة ويصارحهم بأن مصر لن تبني بالمظاهرات ولا بالاحتجاجات فقد كان الرجل صادقا في الذي قاله، وهنا هتف العمال لمصر " تحيا مصر .. تحيا مصر " ثم روي لهم تجربته أيام كان رئيساً للمقاولين العرب وكان حال الشركة أسوأ من حال شركتهم، ووقفته جانب العمال يدا بيد استطاعوا أن يجعلوا منها شركة تحقق لهم عائدا وضعها علي الطريق الصحيح.. - جلسة المصارحة التي بدأها رئيس الحكومة مع العمال كان لابد منها. - هل رأيتم رئيس حكومة مثل محلب لديه الشجاعة في أن يقتحم المشكلة بصدره وليس بممثل له، أنه قدوة لرجال حكومته ولو أن كل وزير عايش المشكلة ووجد حلولا لها علي الطبيعة أفضل من اللجان التي تزيد المواقف اشتعالا وهي لا تحمل حلولا بل تدخل بالمشكلة في نفق مظلم .. فلو أن كل وزير قام بحصر المطالب الفئوية للشركات أو الهيئات التابعة له وقام بإعادة ترتيبها حسب الأولويات والمتاح في التنفيذ صدقوني كل شئ سيكون علي مايرام طالما أنها مطالب مشروعة.. وليست مطالب ترفيهية، ليس فيها من يطلب من الدولة توفير مسكن له أو سيارة بل كلها تسويات وحقوق ضائعة لم تصرف وهذه لها الأولويات في التنفيذ عندما تتوافر السيولة، صحيح ان السيولة لن تتوافر الا بالإنتاج إذن علي الحكومة أن تتبني تحبيب العامل في العودة الي الإنتاج ولا يمنع من زيادة حوافز الإنتاج.. أعتقد أن هذا السيناريو لن يسقط من ذاكرة رجل مثل إبراهيم محلب.. المهم أن نمد أيدينا له ولا نسلم عقولنا للمخربين الذين يخططون لتدمير اقتصاد هذا البلد.. مصر غالية علينا ولن نقبل أن نبقي عالة علي دول الخليج التي تطعمنا.. فالعودة للإنتاج هو الطريق الأسلم لاستعادة كرامتنا علي الأقل أن نأكل ثمار إنتاجنا.. ونقول لأهالينا في دول الخليج شكراً علي شهامتكم معنا..