قرأت مؤخرا ما كتبه الفنان حمدي أحمد علي هذه الصفحة تحت عنوان نوبة أدول . وأنا أفهم أن يغضب الفنان لتشكيل لجنة الخمسين بالمحسوبية والواسطة والأحباب ومشاهير ثرثرة الفضائيات لأنه لم يصبه الدور ولم يكن واحدا منهم . وأفهم أن يغضب أيضا من أحاديث الدستور وثرثرة لجنة الخمسين لأنه لايعلم أن مصر مقبلة علي وضع دستور يحمي مصر والمصريين من أهواء الحكام ،مما استوجب اجراء كل هذه الحوارات المجتمعية مع كل فئآت الشعب. فمن هذه الثرثرة التي يراها الفنان جعجعة بلا طحن سوف تصاغ مواد دستور يفي بمتطلبات حياة كريمة لكل فرد وفئة . ولكن ما لا أفهمه هو أن يصب جام غضبه علي النوبة والنوبيين من بين كل الفئات الممثلة في اللجنة، وكنت اتمني أن يقرا الفنان شيئا من التاريخ قبل أن يكتب عنه وشيئا عن المسح التاريخي الذي أجراه العشرات من علماء اللغة عن اللغات الافريقية قبل أن يقطع بأن النوبية لهجة وليست لغة . أما عن التاريخ فلا يستقيم أن أشرح لمصري مثلي تاريخ بلده ، فالنوبة بتاريخها وحضارتها جزء أصيل من تاريخ مصر القديم والوسيط ،فماذا يضيرك في أن يتفاخر نوبي بأمجاد مملكته(751-656 ق.م) ومنجزات ملوك الأسرة 25 ومنهم بعنخي الذي أعاد توحيد المملكة ووصل بجيوشه الي مشارف القدس ، تلك المملكة المترامية التي انتهت بانهيار الممالك المسيحية الثلاثة التي قامت علي أنقاض مملكة مروي ثم دخول الاسلام في منتصف القرن السادس الميلادي ويعرف كل ذلك من يريد أن يعرف ويتجاهله كل من يخشي طغيانه علي تاريخه . أما عن اللغة النوبية فيقطع الفنان أنها لهجة وليست لغة وذلك قياسا علي تعدد اللهجات الصعيدية والسواحلية واختلط عليه الأمر في ثورة غضبه علي النوبيين فلم يفرق بين الفصحي والعامية من ناحية واللغة واللهجة من ناحية أخري، فالصعيدية والسواحلية وما يتحدث به مختلف فئات الشعب المصري هي العامية من العربية وليست لهجات . أما النوبية فلغة تعرف في الدراسات العلمية ( بلغة نوبة النيل) تندرج تحتها ثلاثة لهجات هي المحسية والدنقلاوية أو الكنزية والفاديكا. وفي بحث مطول له عن مسح تاريخي شامل للدراسات الموسعة التي أجريت عن لغات نوبة النيل نشر سنة 1998يقول الدكتور/ جيرالد لوش Gerald lauche:" يستطيع النوبيون أن يفخروا بلغتهم وعليهم أن يتذكروا أن لغتهم هذه كانت تكتب في العصور الوسطي وكانت تعرف بالنوبية القديمة،وكانت هي اللغة الافريقية البحتة الوحيدة التي كان لها أدبا مكتوبا لما لايقل عن700عام . ويضيف الدكتور ولش في بحثه أن اللغة النوبية تقع في المجموعة اللغوية الثانية بين العائلات اللغوية الأربعة الكبيرة التي تقسم اليها اللغات الافريقية وهي من الشمال إلي الجنوب:- 1- اللغات الأفرو آسيوية(شبه الحامية،البربرية، الكوشية،الحامية،التشادية). 2-اللغات النيلية- الصحراوية( الكنوري،الدنكا،الشيلوك،النوبية). 3-لغات النيجر- الكردفانية(تغات البانتو،السواحلية،الزولو،الفول،البمبارا). 4- لغات خويسان( حوتنتوتس- بوشمن). ويستخف الفنان بتهجير النوبيين ويقول :" إذا كنت تشكو من هجرتين في عمر النوبة فاقرأ عن الصعيد ". وأقول له اقرأ أنت عن النوبة فقد هجرت أربع مرات وليس مرتين، مرة عند بناء خزان أسوان سنة 1902 وأخري عند التعلية الأولي سنة 1912 وثالثة عند التعلية الثانية للخزان سنة 1932 والرابعة حيث تم ترحيلهم من منطقتهم الي موطن جديد عند بناء السد العالي سنة 1964وكانت كلها تضحيات نوبية لصالح الصعيد وشمال الوادي فببناء الخزان أغرقت قري نوبية وزادت مساحة الأراضي الزراعية في الشمال ، وبتعلياته أغرق المزيد من قري النوبة وتحولت أراضي الصعيد من ري الحياض الي الري الدائم وتمت السيطرة علي الفيضان الذي تشكو من أنه كان يطغي علي الأرض والزرع كل عام.وأخيرا فليس من الحكمة أن أنزلق الي مزايدتك علي النوبيين في وطنيتهم بالمفاضلة بينهم وبين اخوانهم أبناء الصعيد وتلويحك بالطائفية ونظرية المؤامرة وتلك القوالب الجامدة التي يلجأ اليها إلا المغرضون .