المعاهدات والاتفاقيات الدولية ملزمة لأطرافها، لأنها تمثل إرادة الدول ولا تتغير تلك المعاهدات أو الاتفاقيات بتغير القيادات وإلا لما استقر السلم والعدل الدوليان، هذا لأن الاتفاقية والمعاهدة تمثل الإعلان الصحيح عن إرادة الدولة أو الدول المتعاهدة والموقعة عليها. جدير بالذكر أنه في عام 1925 توصلت بريطانيا مع ايطاليا إلي توقيع مذكرات اعترفت بموجبها ايطاليا بحقوق مصر والسودان علي النيلين الأزرق والأبيض، بل وعلي روافدهما، وتلا ذلك اتفاق بريطاني - مصري في 7 مايو 1929، من ذلك العام حيث اعترفت حكومة بريطانيا آنذاك بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل وقرر ذلك الاتفاق الشهير بأنه لا يمكن المساس بمصالح مصر إلا بالاتفاق المسبق مع الحكومة المصرية خصوصاً في ما يتعلق بخفض كميات المياه التي تصل إليها أو تعديل منسوبها أو تاريخ وصولها. وفي 8 نوفمبر 1959 توصلت مصر والسودان إلي توقيع اتفاقية هامة نصت علي تنظيم واضح لانتفاع الدولتين بمياه النهر الذي يعد شريان الحياة الاقتصادية والتنموية والزراعية لهما، حيث نصت الاتفاقية علي حصول مصر علي 55.5 مليار متر مكعب، والسودان علي 18.5 مليار متر مكعب من المياه، كما نصت علي أن (تتفق الدولتان علي رأي موحد بعد الدراسة بواسطة الهيئة الفنية التي نصت عليها الاتفاقية في شأن مطالبة الدول الأخري بنصيب في مياه النيل). ومعروف ان مصر تعتمد بنسبة حوالي 95 في المئة علي مياه النيل، والاتفاقيات التي وقعتها ومعها السودان والمشار إليها آنفاً تضمن حقوق البلدين في مياه النهر طبقاً لنصوصها وتطبيقاً للقانون الدولي، وهذا ما أقره في عام 1961 معهد القانون الدولي الذي أكد إلزامية الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأنهار والتي تجري عبر دول متعددة كنهر النيل والدانوب وغيرهما. إثيوبيا شرعت في تشييد سد النهضة (سد الألفية الكبير) لتوليد الطاقة الكهربائية قبل عامين علي النهر الأزرق بل انها تخطط لبناء أربعة سدود أخري، ويتوقع اكتمال إنشاء سد النهضة عام 2017 وتقدر تكلفته بحوالي (5) مليارات دولار وسعة تخزينه 74 مليار متر مكعب من المياه خلال خمس سنوات وهذا يعني أن السد عند اكتمال تشييده طبقاً لآراء بعض خبراء المياه حرمان مصر سنويا من (10) مليارات متر مكعب ونتيجته الحتمية حرمان أرض الكنانة من زراعة مليون فدان ، كما أن السودان ستخسر (4) مليارات متر مكعب. إن هذا السد يمثل مؤامرة كبري علي مصر (هبة النيل)، والأمر لا يخلو من تدخل أياد أجنبية وفي مقدمتها الدولة العبرية التي لها تدخلها المعروف سراً وعلناً في بعض دول القارة السمراء ومنها أثيوبيا، وجنوب السودان بعد انفصاله عن الشمال فإسرائيل وبدعم أمريكي غير محدود توغلت في القارة السمراء خاصة في كل من أثيوبيا وجنوب السودان واريتريا وغيرهما في غفلة من العرب الذين غالبا ما يتناحرون فيما بينهم، بل ان الدولة العبرية لها تواجد عسكري وتعاون اقتصادي مكثف في الدول الثلاث (أثيوبيا، اريتريا، جنوب السودان) فهي ومعها ماما أمريكا كانت تخطط لدخول جنوب السودان قبل انفصاله خاصة ان الاستقلال حاصل لا محالة فصار لهما ما أرادا. وإذا كانت أديس أبابا ومعها دول أخري من دول المنبع ترتكز في حجتها علي أن الاتفاقات السابقة وقعت في عهد الاستعمار فإن هذه الحجة القانونية تدحضها محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاي حيث أقرت بأن اتفاق عام 1929 شبيه بالحدود الموروثة عن الاستعمار ولا يجوز المساس بما ورد به من نصوص قانونية، كما ان هناك نصاً قانونياً مطابقاً لما اتجهت إليه محكمة العدل الدولية، فاتفاقية فيينا لعام 1978 نصت علي أن اتفاقيات الأنهار الدولية لا يجوز المساس بنصوصها تعديلاً بالحذف أو الإضافة إلا بموافقة كل الأطراف فهي كاتفاقيات الحدود الموروثة عن الاستعمار بشره وخيره إن كان فيه خير. وبناءً علي ذلك فقد كانت هناك اتفاقات بين مصر وأوغندا وإثيوبيا في عامي 1991 و1992، نصت علي ان هذه الدول الثلاث اتفقت علي عدم الإضرار بمصالح أي طرف من الأطراف، والمفهوم القانوني لهذه الاتفاقيات هو الالتزام بالاتفاقات السابقة الموروثة نصاً وروحاً - أي الإلتزام الحرفي بما قررته تلك الإتفاقيات. المهم انه علي رغم وضوح نصوص الاتفاقيات التي ورد ذكرها إلا أنه لا يمكن إنكار أن هناك خلافاً بين الدول صاحبة المنبع ودولتي المصب مصر والسودان، والطريق الأسلم لحل مثل هذه الخلافات أو النزاعات هو سلوك طريق الحل الودي فهو سيد الحلول من خلال الحوار والتشاور، وأمام مصر والسودان فرص ذهبية في هذا المجال فكل الدول التسع التي تختلف وجهات نظرها حول مياه هذا النهر العظيم هي أعضاء في الاتحاد الأفريقي ويمكنها من خلاله عرض المشكلة لإيجاد صيغة اتفاق ترضي كل الأطراف. كما أن مصر - وهي الدولة التي تجاوز عدد سكانها تسعين مليون نسمة وأصبحت بحاجة اكبر لزيادة ما تحتاج إليه من مياه النيل تشييد مشاريع في بعض بلدان المنبع لدعم زيادة الاستفادة من المياه التي تذهب هدراً. وإذا أقفلت كل الأبواب في وجه المساعي كلها، فإن الاتفاقيات والمذكرات التي عقدت في شأن تنظيم مياه النهر هي الفيصل وليس لدولة من الدول التنصل من أي نص من نصوصها، وهنا يمكن لمصر اللجوء الي الأممالمتحدة ومجلس أمنها كما تبقي محكمة العدل الدولية خياراً هاماً.