مجلس الشعب تجاوز اختصاصاته بإصدار قانون ليس من حقه اختيار أعضاء التأسيسية دستوري وأعمال الجمعية محصنة ضد الطعن في جلستها أمس اصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها في قانون معايير انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور.. وقضت المحكمة بعدم دستورية القانون بالكامل.. حيث لحق العوار الدستوري بالبنيان التشريعي للقانون برمته.. وأكدت المحكمة ان الجمعية التأسيسية للدستور منذ لحظة انتخابها من جانب الاعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشوري اصبحت سلطة تعلو علي جميع السلطات ومنها السلطة التشريعية ولم يكن يجوز سن قانون لها يخضعها في تكوينها او مباشرة اعمالها لرقابة اية سلطة أخري.. وأكدت المحكمة الدستورية العليا ان طريقة انتخاب اللجنة التأسيسية صحيحة قانونا ودستوراً وان اعمالها محصنة ومنها الدستور الذي انتهت اليه وتم طرحه للاستفتاء الشعبي.. وبذلك فعدم دستورية القانون لا يمس عمل الجمعية التأسيسية او اعداد الدستور الجديد. وأكدت مصادر قضائية بأن المحكمة الدستورية العليا كان معروضا عليها الفصل في مدي خضوع عمل الجمعية التأسيسية وتشكيلها لرقابة مجلس الدولة أم لا.. وانتهت المحكمة إلي عدم خضوع التأسيسية لأي رقابة او سلطة.. وأكدت المصادر انه لم يعرض علي المحكمة اي طعن يتعلق بمدي دستورية اختيار نواب من البرلمان كأعضاء بالجمعية التأسيسية. كما قضت المحكمة الدستورية العليا بالجلسة ذاتها برئاسة المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة وعضوية المستشارين عدلي منصور، وأنور العاصي، وعبدالوهاب عبدالرازق، ومحمد الشناوي، وماهر سامي، ومحمد خيري نواب رئيس المحكمة وحضور المستشار الدكتور حمدان فهمي رئيس هيئة المفوضين بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد. وكان المدعيان قد أقاما الدعوي رقم 45931 لسنة 66 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طلباً للحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب علي ذلك من آثار أخصها وقف اجراءات السير في انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور وبطلان جميع القرارات التالية للقرار المطعون فيه. وإذا تراءي لتلك المحكمة أن القرار الصادر من أعضاء مجلسي الشعب والشوري غير المعينين لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية محل الدعوي الموضوعية لا يعتبر من الأعمال البرلمانية، كما لا يعد تشريعا بالمعني الموضوعي فيما تختص المحكمة الدستورية العليا ببسط رقابتها القضائية عليه، وإنما هو في حقيقته قرار إداري يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعة في مشروعيته، ومن ثم فإن نص المادة الأولي من القانون المطعون عليه يكون مخالفاً لحكم المادة (48) من الإعلان الدستوري الصادر في الثلاثين من مارس سنة 2011 التي ناطت بمجلس الدولة الفصل في المنازعات الإدارية، كما يخالف المادة (21) من الإعلان الدستوري ذاته التي تحظر النص في القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وبجلسة 23-10-2012 قضت محكمة القضاء الإداري بوقف الدعوي وإحالتها إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ما تضمنه النص المطعون عليه من أن قرارات الأعضاء غير المعينين بمجلسي الشعب والشوري بانتخابات أعضاء الجمعية التأسيسية التي تضع مشروع دستوري جديدا للبلاد تخضع للرقابة علي دستورية القوانين والقرارات البرلمانية. وأوضحت المحكمة الدستورية في صدر حكمها في الطعن المحال إليها أنه - وأياً كان مضمون النص التشريعي المحال - فقد تمت الإحالة في نطاق الاختصاص القضائي لهذه المحكمة ومباشرتها لولايتها القضائية في الرقابة علي دستورية القوانين. وحددت المحكمة الدستورية - بموجب اختصاصها - نطاق الدعوي الدستورية فيما تضمنه نص المادة الأولي من القانون رقم 79 لسنة 2012 من أن قرارات الأعضاء غير المعينين في مجلسي الشعب والشوري المتعلقة بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التي تعد مشروع دستور جديدا للبلاد تخضع للرقابة علي دستورية القوانين والقرارات البرلمانية. وقالت المحكمة في أسباب حكمها المتقدم أن قضاءها قد جري علي أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور وعلوّها علي ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها - وأياً كان تاريخ العمل بها- لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتي بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.. وأشارت المحكمة إلي أن الدستور الصادر في ديسمبر سنة 2012 - والذي تباشر هذه المحكمة رقابتها في ضوء أحكامه - اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقاً لأحكامه، فنص في المادة (115) منه - علي أن "يتولي مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة،..." وهو لا يخولها بذلك التدخل في أعمال غيرها من السلطات، ومن ثم فلا يكون لها- من باب أولي - التدخل في أعمال السلطة التأسيسية التي تضع دستور البلاد، وهي التي تملك وحدها وضع الضوابط والمعايير التي تنظم كيفية أدائها للمهمة المنوطة بها. واستطردت المحكمة - بأن التعديلات الدستورية التي أجريت علي مواد دستور 1971 عهدت إلي جمعية تأسيسية منتخبة مهمة وضع مشروع دستور جديد للبلاد، علي أن تنتخب هذه الجمعية من الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشوري تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء علي تعديل الدستور. وقد وافق الشعب علي هذا التعديل في الاستفتاء الذي تم بتاريخ 19-3-2011 وبتاريخ 30 مارس من العام ذاته أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة - الذي تولي إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير - إعلاناً دستورياً ضمنه القواعد الدستورية الحاكمة للبلاد خلال الفترة الانتقالية والتي تنتهي بانتخاب المجلسين التشريعيين - الشعب والشوري- وانتخاب رئيس الجمهورية، كما ضمنه النصوص الدستورية المعدلة التي حظيت بموافقة الشعب عليها في ذلك الاستفتاء، ورددت المادة : (60) من إعلان 30 مارس سنة 2011 الأحكام التي احتواها نص المادتين (189 ، 981 مكرراً) من دستور 1971 ومقتضاها أصبح انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية معقوداً للأعضاء غير المعينين بمجلسي الشعب والشوري خلال المواعيد والإجراءات التي تضمنها ذلك النص، والذي خلا من أية أحكام أخري يتعين الالتزام بها عند وضع الدستور الجديد للبلاد، وهذا المسلك يؤكد أن المشرع الدستوري أراد أن - يُخرج جميع مراحل إعداد مشروع الدستور الجديد ابتداء من اجتماع الهيئة الانتخابية التي عهد إليها بمهمة اختيار الجمعية التأسيسية والتي تتمثل في الأعضاء غير المعينين بمجلسي الشعب والشوري، ثم اختيار أعضاء هذه الجمعية ومباشرتهم لمهامهم وفق الضوابط والقيود التي يضعونها لأنفسهم، دون تدخل من أية سلطة من سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتي تمام هذه المهمة لوضع المشروع، إذ أن السلطة التأسيسية التي تختص بوضع الوثيقة الدستورية تعلو علي جميع سلطات الدولة، ومنها السلطة التشريعية، التي تعتبر من نتاج عملها، باعتبار أنها السلطة المنشئة لغيرها من السلطات، ولا يتصور بالتالي أن تخضع هذه السلطة في تكوينها أو مباشرة أعمالها لرقابة أي سلطة من السلطات الأخري. وأكدت المحكمة الدستورية في حكمها علي أن المشرع في القانون 79 لسنة 2012 قد تدخل -كما يشير عنوان القانون - لوضع معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، إلا أنه انصرف عن هذا الهدف - والذي لا يملك التدخل بتنظيمه من الأساس علي ما سلف بيانه - ونظم أمراً آخر لا صلة له بالعنوان الذي اتخذه لهذا القانون وهو إسناد الاختصاص بنظر القرارات التي تصدر عن الاجتماع المشترك للأعضاء غير المعينين بمجلسي الشعب والشوري لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، إلي الجهة المعنية بالرقابة علي دستورية القوانين والقرارات البرلمانية، مجاوزاً بذلك حدود ولايته التشريعية، مخالفاً بذلك نص المادة (115) من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية القانون رقم 79 لسنة 2012 بكامل نصوصه، إذ أن العوار الدستوري الذي لحق به، قد أحاط بالبنيان التشريعي للقانون المذكور برمته، لارتباط نصوصه ببعضها البعض، ارتباطاً لا يقبل التجزئة، إذ لا يتصور أن تقوم لبعض هذه النصوص قائمة بغير بعضها الآخر أو إمكان إعمال حكمها في غيبتها. وذكر حكم الدستورية أنه لا ينال من القضاء بعدم دستورية القانون 79 لسنة 2012 ما نص عليه الدستور الصادر في ديسمبر سنة 2012 في المادة (236) من أن "تلغي جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من فبراير سنة 2011 وحتي تاريخ العمل بالدستور، ويبقي نافذاً ما ترتب عليها من آثار في الفترة السابقة. ذلك - وأياً ما كان الرأي في مشروعية الإعلانات الدستورية الصادرة من رئيس الجمهورية -فإن صريح نص المادة (236) من الدستور قد أبقي علي الآثار التي ترتبت علي هذه الإعلانات في الفترة السابقة، أما الآثار التي لم تترتب بعد، فإنها تكون بمنأي عن إعمال هذا النص، وترتيباً علي ذلك فإنه إذا كان الإعلان الدستوري الصادر عن رئيس الجمهورية في 21 نوفمبر سنة 202 قد قرر انقضاء الدعاوي المتعلقة بالقوانين والقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة والمنظورة أمام أية جهة قضائية، فإن هذا الانقضاء كأثر من الآثار التي رتبها ذلك الإعلان لابد أن يصدر به حكم قضائي يقرر تحقيق أثر هذا الانقضاء، وهو ما لم يتم في الفترة السابقة علي نفاذ الدستور الجديد في 25-12-2012. كما لا ينال من هذا القضاء القول يتحقق الأثر اعتباراً من تاريخ الإعلان الدستوري المشار إليه، ذلك أن إلغاء الإعلانات الدستورية بنص المادة (236) من الدستور الحالي اعتباراً من تاريخ نفاذه بأثر مباشر لا يسوغ معه إقرار الانقضاء الذي رتبه ذلك الإعلان، بعد أن تم إلغاؤه بمقتضي أحكام هذا الدستور.