من ثوابت السياسة المصرية منذ العصور القديمة الحفاظ علي علاقات ودية مع دول منابع النيل، خاصة أثيوبيا، هذا ما تسجله الآثار المصرية القديمة، ومدونات التاريخ المصري في العصور المتوالية بعد الغزو العربي في القرن السابع الميلادي، أذكر انني قرأت عن توتر في العلاقة بعد موجة عنف طائفية أحرق خلالها عدد من الكنائس القبطية، أرسل ملك الحبشة غاضبا، عندئذ قام السلطان المملوكي القوي بإرسال سفارة تحتوي علي هدايا ثمينة اظهارا للود وحسن النوايا، مازلت أذكر التعبير الذي استخدمه السلطان وذكره المؤرخون المصريون، »ومع السفارة رسالة من السلطان يسترضي فيها ملك الحبشة«. كان الحفاط علي علاقات طيبة مع أثيوبيا من ثوابت السياسة المصرية، وكانت الدولة المصرية تقيم الجسور علي كل المستويات، وقام الأزهر بدور مهم عندما خصص رواقا للجبرتية (طلاب من الحبشة وينتمي إليهم المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي وكان حفيده سيد الجبرتي من ألمع الصحفيين بأخبار اليوم حتي رحيله في منتصف التسعينيات). كانت الكتب تطبع باللغة الأمهرية في مطابع بالباطنية وترسل علي نفقة الحكومة المصرية إلي أثيوبيا، وحتي زمن عبدالناصر لم تهتز هذه الثوابت، أيا كان نظام الحكم، اضافة إلي الصلة الروحية العميقة، فالكنيسة المصرية القبطية هي نفس الكنيسة الأثيوبية، المذهب واحد، والبابا كان هو نفس البابا حتي عقود قريبة، بعد أن وقع خلاف حول دير قبطي في القدس، وأمور أخري لست ملما بها انفصلت أثيوبيا بكنيسة وبابا مستقلين، لكن الصلة ظلت متصلة حتي الآن، في الزمن القديم كانت الصلات أقوي مما هي عليه الآن رغم تخلف المواصلات وصعوبة الانتقال، وكان الفراعنة يواظبون علي إرسال البعثات والسفراء، وتحمل جدران الدير البحري تفاصيل البعثة الشهيرة التي أرسلتها الملكة حتشبسوت وتفاصيلها علي جدران معبد الدير البحري، البلاد التي وصلت إليها البعثة تعرف ببلاد (بونت) وفي ذلك التاريخ البعيد لم تكن الحدود فاصلة مثل العصر الحديث بين أثيوبيا والصومال. لا يعرف أحد بدقة بلاد بونت، وعندما زرت جزيرة سوقطرة في المحيط الهندي والتابعة لليمن الآن أخبرني مثقفون منها أن أهالي سوقطرة يتحدثون في حكاياتهم حتي الآن عن صلات مصرية وثيقة كانت تجئ بهدايا من مصر وتعود بالبخور واللبان والنساء الجميلات منهن نفرتاري أثيوبية الأصل كما تؤكد ملامحها كان من ثوابت الدولة المصرية استمرار العلاقات الحسنة مع أثيوبيا، ظل ذلك قائما حتي عصر الرئيس الأسبق السادات.