الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر...ثائر متمرد خرج عن المألوف منذ أول قصيدة "فردوس بائعة المانجو" التي نشرها عام 1957، وتوالت بعدها الدواوين ,حتي وصلت إلي 15 ديوانا. درس الفلسفة وقرأ في الصوفية بعمق فتلون شعره بالغموض ، وأصبح مدرسه شعرية قائمه بذاتها ، وتجربة فريدة من نوعها . انه يمثل تجربة شعرية أصيلة متنامية تستند إلي التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه ، والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية، وتأمل الواقع الراهن والإلتزام بقضاياه مما أتاح له تطوراً مفتوحاً متجدداً ولعل المقارنة بين ديوانه "النهر يلبس الأقنعة" الذي ظهر قبل ربع قرن ودواوين أخري ظهرت عقب ذلك، منها "أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت" و"رباعية الفرح" تكشف عن مدي الجهد الشعري الخلاق المتطور الذي يجمع بين الجمالي والمعرفي، السياسي والصوفي، الملموس والرمزي. لقد تنوعت أعماله ما بين القصائد الشعرية، والمقالات، والدراسات النقدية، وترجمة الشعر، وقصص الأطفال. ومن بين قصائده اخترنا قصيدة "الأرض القديمة" بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاما علي ميلاده. رأيتُها في صكوكِ الإرثِ مكتوبة سِفْراً من الإنسان والأزميل والحجرِ رأيتُها من شقوق الصيفِ مسكوبة غاباتِ أيدٍ ترعرعُ في دم الشجرِ وأَوْجُهاً من حميم الطمي مجلوبة منسوجة بالفروع الخُضَر والثمرِ وأعظُماً غالبتْ أكفانَها، انقلبتْ فراشةً حمراءَ مخضوبه بالنار والغيم والرَّهَج الدوّارِ في السفرِ.. كانت صكوكُ الإرثِ مختومة بخاتم ملتهبٍ وأحرفٍ مشوية وكان في أطرافها من سلّة الأيامْ زخرفةٌ كوفيّه وأَثَرُ القوافلِ المغبرَّةِ الأعلامْ والزحمةُ التي تشبهُ عشَّ البومة وطره السيّافِ والإمامْ والصرخةُ المكتومة ! حين تقصّفتْ أصابعي ويبستْ مفاصلُ الراحلة الملعونة وقفتُ في الصحراء تحت الشمسْ أنتظرُ الطغراءَ والأوامرَ الميمونة كي أستطيع الهمسْ . وقفتُ في الصحراء واجماً مُقنَّعاً أنظر جِلْدَ الأرضْ مستبدلاً منتسخاً مرقَّعا وكلما ثبّتتِ الشمسُ رماحَها الحمراءَ في جمجمتي قطعتُ رحلةَ الوقوفِ بالقراءة.. (أُخرج من غيابة العباءة صحائفَ الإرثِ المقدسة وكلما تخرّقتْ سطورُها بالأرضة تهدّمتْ مدينةٌ علي رؤوس ساكنيها أو سقطتْ تحت نعال الروم قلعةٌ أو مملكه أو زحفتْ حدودُنا وسوّرتْ مواطيءَ الأقدامْ..). لو أن هذي الشجرة لم تجدلِ الجذورَ للأعماقْ لو أنها لم تطبخِ الضوءَ بجوفها وتغزل الأوراقْ لما تملّكتْ شبراً علي مملكة الصعوِد والهبوطْ