** احتدم النقاش بينى وبين عدد من زملائى الأعزاء داخل المجلة فيما يتعلق بتقويم النجم الأسطورة الأرجنتينى ليونيل ميسى أفضل لاعب فى العالم فى السنوات الأربع الأخيرة والحائز مؤخرًا على جائزة الكرة الذهبية التى يمنحها الاتحاد الدولى لكرة القدم فيفا بالاشتراك مع مجلة فرانس فوتبول الفرنسية، للمرة الرابعة على التوالى تاركا خلفه "الحسرة والقهر" لنجم آخر من طراز فريد هو البرتغالى كريستيانو رونالدو، والذى كانت مصيبته الكبرى هى ظهوره فى نفس عصر وأوان هذا الفلتة الأرجنتينى الملقب "بالبرغوث الصغير".. وتطرق النقاش إلى مقارنة ميسى بنجمين عظيمين آخرين فى عالم كرة القدم العالمية وهما البرازيلى الملقب بالجوهرة السوداء بيليه، والأرجنتينى دييجو مارادونا، وهى مقارنة لا ينفك الكثيرون منا عن خوضها منذ سنوات وكانت مقصورة من قبل على الكبيرين بيليه ومارادونا، ثم اتسعت قاعدتها لتشمل الوافد الجديد الثالث إلى عالم عظماء الساحرة المستديرة. وموسمًا تلو الآخر، تعالت نبرة الحديث عن عبقرية ميسى وكثر عدد عشاقه ومريديه من أقصى العالم إلى أقصاه، لدرجة دفعت الملايين إلى وصفه بأنه لاعب من "كوكب آخر"، وهو وصف لم يحظ بمثله لا بيليه ولا مارادونا. وإذا كان أغلب أبناء الجيل الحالى لم يشاهدوا على الطبيعة راقص السامبا البرازيلى الأول "بيليه"، بينما شاهد الكثيرون إبداعات مارادونا وصولاته وجولاته خاصة فى مونديال 1986 وهو المونديال الذى وصف بأنه "مونديال مارادونا" ولا أحد غيره، فإن كل الدنيا تشاهد الآن ومنذ سنوات ليونيل ميسى، الأمر الذى جعل اسمه محفورًا فى أذهان الملايين، فى الوقت الذى خفت فيه الحديث عن بيليه "القديم قوى" ومارادونا "القديم نص نص".. وتلك هى سنة الحياة فالبعيد عن العين بعيد عن القلب فى أغلب الأحيان. وبمنظور موضوعى، أستطيع أن أقول إن المقارنة على هذا النحو منقوصة وتبدو ظالمة، ولا تتسق مع المعايير المنطقية للمقارنات، فالنجوم الثلاثة ليسوا أبناء جيل واحد حتى يمكننا عقد مقارنة بينهم، فالأول "بيليه" بدأ التألق فى أواخر خمسينات القرن الماضى، والثانى "مارادونا" بزغ نجمه بقوة مع أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضى، بينما يتألق الثالث "ميسى" فى الألفية الجديدة.. وإذا ما أخذنا فى الاعتبار حال كرة القدم فى كل فترة من هذه الفترات، وحجم ما طرأ من تغيير فى طرق اللعب وخططه وتكتيكاته وفنياته بين فترة وأخرى، وأيضًا على المستويين البدنى والمهارى، فسيكون من الإنصاف أن نقول إن كل واحد منهم حفر اسمه بحروف من ذهب فى جيله، فهو السيد أو "الألفا" على أبناء جيله من النجوم العظام. أفهم أن تكون المقارنة بين مارادونا وبلاتينى وماتيوس وروبرتو باجيو وباولو روسى وزيكو وروماريو وبيبيتو ومولر وخوليت وفان باستن وريكارد وغيرهم الكثير من نجوم جيله. أو تكون بين بيليه وخنتو وجارينشيا وجاييرزينهم وكرويف وبيكنباور وبوشكاش ودى ستيفانو وبوبى مور وهيرست وبوبى شارلتون وغيرهم من نجوم الخمسينات والستينات والنصف الأول من السبعينات.. ونفس الأمر مع ميسى، فمنافسوه الحقيقيون هم أبناء جيله من نجوم الأندية الكبرى أو من سبقوه ببضع سنوات أو من سيأتون بعده ببضع سنوات وهنا تتسع الرقعة لتشمل كثيرين من نجوم لا يشق لهم غبار مثل زين الدين زيدان ورونالدينيو وفيجو ورونالدو وكريستيانو رونالدو ورونى وتيفيز وكريم بن زيمة وهيجوين وكاكا وإنييستا وتشابى وديفيد فيا وفابريجاس وغيرهم. وطالما أن الأمر كذلك، فمن حق كل مهتم بكرة القدم أو متابع لها أن يحدد النجم الذى أدخل السعادة والبهجة والسرور على قلبه أكثر من غيره سواء فى هذا العصر أو من أجيال سابقة.. وشخصيًا وبحكم مشاهداتى للنجوم الثلاثة بيليه ومارادونا وميسى وأنا فى كامل إدراكى بكرة القدم بل وممارستى لها أيضًا أقول إنه على مستوى المهارات الشخصية والإبداع والابتكار الكروى وأيضًا الأرقام الشخصية، أضع ميسى على القمة وخاصة أنه مازال صغير السن وأمامه الكثير والكثير الذى يقدمه من فنون الكرة، ورصيده حتى الآن يمنحه هذا التفوق.. أما إذا تحدثت عن ارتباط ذلك بالإنجاز الأكبر لأى لاعب، وهو إسهامه مع منتخب بلاده فى تحقيق إنجازات قارية أو عالمية كبرى، فإن الترتيب سيكون بيليه مارادونا ميسى لسبب بسيط جدًا هو أن بيليه أحرز كأس العالم مع منتخب بلاده ثلاث مرات أعوام 1958 و1962 و1970، وأن مارادونا حقق ذلك مرتين مع منتخب بلاده عامى 1978 و1986 وإن كان لم يشارك بفعالية فى البطولة الأولى.. ويأتى ميسى الأكثر مهارة وإبداعًا وابتكارًا وخروجًا عن المألوف فى المرتبة الثالثة من هذه الزاوية تحديدًا، لأنه لم ينل شرف إحراز بطولة كأس العالم مع منتخب التانجو الأرجنتينى، وإن كان عزاؤه الوحيد أن صغر سنه يتيح له تحقيق هذا الحلم ليصبح بحق هو الأعظم. ولابد أن نعترف بأن المواهب الفذة فى تاريخ كرة القدم بأجياله المختلفة كثيرة جدًا وتعد بالمئات ولكن معظمها لم يسعفه منتخب بلاده أو النادى الذى يلعب له لتحقيق إنجازات مشهودة يتحدث عنها العالم. وختامًا.. ستبقى هذه المقارنات حديث عشاق الكرة فى شتى أنحاء المعمورة، ولن يكون هناك إجماع على تفوق أحد هؤلاء الثلاثة على الآخرين، ولكن الحقيقة المؤكدة أن ميسى هو الوحيد فيهم الذى مازال أمامه فرصة تحقيق إنجازات جديدة ومضاعفة أرقامه الشخصية الكثيرة. ويبقى أن ميسى حقق كل هذه الأرقام والبطولات والإنجازات بينما لم يبلغ بعد السادسة والعشرين من عمره وهذا هو الإعجاز غير المسبوق.