استمرت أسعار الغذاء في الارتفاع تحت ضغوط الأزمة المالية العالمية في2008 التي شهدت احتجاجات واضطرابات خوفا من زيادة أعداد الذين قد يتعرضون لخطر المجاعة, لذا قررت الكثير من الدول العمل علي تأمين غذائها, ومنها دول مجلس التعاون الخليجي, وخاصة أن تأمين امدادات الغذاء علي المدي الطويل أمر بالغ الأهمية في استقرار هذه الدول خاصة أن جميعها دول فقيرة في الزراعة, ومن إحدي الاستراتيجيات التي نفذتها دول الخليج العربي أسوة بالصين وكوريا الجنوبية هي شراء أراض في دول أجنبية لزراعتها باحتياجاتها الغذائية. وتبدو الاستراتيجية التي وضعتها دول الخليج التي تقوم علي شراء أراض في بعض الدول الإفريقية بحيث تستفيد هي كمستثمر وتفيد الدول التي تشتري فيها هذه الأراضي, وكانت إثيوبيا وكمبوديا والسودان ودول أخري مرشحة للقيام بهذا الدور, إلا أن التركيز علي الأراضي دون ضمان تحسن الإنتاجية ومخاطر الاستحواذ عليها من قبل السكان المحليين قد يخلق اضطرابات وفرصا حقيقية لإثارة النزاعات المسلحة بما يعود بالخطر علي واردات دول الخليج المستثمرة من إنتاجية هذه الأراضي, حسب رأي مركز الدراسات الدولية والإقليمية التابع لجامعة جورج تاون للخدمات الخارجية في قطر. وعلي سبيل المثال فإن المملكة العربية السعودية قد استثمرت أموالا ضخمة في إثيوبيا لزراعة مساحات كبيرة من القمح وإنتاج الماشية, وقد أدي ذلك إلي تحقيق اكتفاء ذاتي لها في الثمانينيات استمر حتي2009, لكن ذلك أدي في المقابل إلي تجريف مواردها المائية غير المتجددة, خاصة لاستغلال هذه الموارد في زراعة الصحراء, بعكس باقي دول مجلس التعاون مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين التي لا يحتاج عدد سكانها القليل إلي زراعة مساحات كبيرة من الأراضي كما فعلت الكويت في مشروعات مزارع للخضراوات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا كانت إثيوبيا علي قائمة الدول التي تحاول دول الخليج تنفيذ سياساتها الغذائية فيها؟ الإجابة تتطلب معرفة الآتي: إثيوبيا التي ينمو عدد سكانها بنحو مليونين في العام ووصل عدد سكانها إلي82 مليونا بعد تحسن كبير في الرعاية الصحية, أصبحت مرادفا للفقر بالنسبة لكثير من دول العالم, حيث يعيش84% من عدد السكان في المناطق الريفية ومعظمهم يعملون بالزراعة, وبلغ متوسط الدخل في بعض المناطق17 سنتا للفرد في اليوم مع مشكلات عديدة في معظم المجالات رغم الجهود الضخمة التي بذلها زيناوي في ال20 عاما الأخيرة, ومع ذلك فالدولة تملك أراضي زراعية هائلة مرتفعة ومنخفضة وموارد مائية هائلة حسب تقرير دليل الاستثمار في إثيوبيا الصادر عن الحكومة الإثيوبية. وقد عقدت المملكة العربية السعودية نحو16 اتفاقية زرعت بموجبها1.713.357 هكتار خمس اتفاقيات منها في إثيوبيا وحدها, والباقي في السودان والسنغال وجنوب السودان وروسيا والفلبين والأرجنتين ومصر ومالي وموريتانيا وباكستان وزامبيا والنيجر التي أوقفت فيها الصفقة في2009, بينما استحوذت الإمارات العربية المتحدة علي1.882.739 هكتار في كل من السودان والجزائر والمغرب ومصر وإندونيسيا وناميبيا وباكستان ورومانيا وإسبانيا وتنزانيا, أما قطر ففي كمبوديا والسودان وتركيا والبرازيل وفيتنام وباكستان والهند وغانا بإجمالي642.630 هكتار. إلا أن الاستثمارات العربية خاصة الزراعية في إفريقيا رغم فرصها الواعدة وبشكل خاص في إثيوبيا قد تتعرض لمخاطر كثيرة وكما أشارت دراسة أعدها مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك إلي أن هناك مشاكل كبري يمكن أن تتعرض لها الزراعة وتأمين الغذاء بالنسبة لدول الخليج هذه المشكلات تتعلق في كيفية زيادة إنتاج المزارع بسبب المناخ المتغير وتحسين إدارة المياه حيث إن الخوف يكمن في طموح إثيوبيا المتزايد الذي قد يضع الاستثمارات الأجنبية في خطر داهم حيث إن جودة البيانات التي تقدمها إثيوبيا بها مشكلات جمة خاصة في برنامج الأمان الاجتماعيPSNP الذي تنفذه إثيوبيا وهناك سياسات كثيرة في هذا المجال غير متطورة, كما أن توجه إثيوبيا الكثيف نحو الزراعة ومنح دول عديدة مساحات هائلة من الزراعة بأسعار منخفضة قد يهدد مجال الزراعة نفسه إذا لم ينم الناتج الإجمالي بنفس نمو القطاع الزراعي, كما أن هذا الطموح الكبير في المرزاع التجارية وتنمية الطاقة الهيدوركهربائية والتنقيب عن البترول يعتمد علي الاستقرار الهش للداخل الإثيوبي بسبب تأثير هذه السياسات البالغ علي حياة السكان الذين ما زال معظمهم يعتمد علي الموارد الطبيعية في هذه المناطق إلخ, وإجمالا تطرح هذه القضية مجموعة من الأسئلة أهمها: لماذا لم توجه هذه الدول استثماراتها لدول عربية مثل مصر والسودان؟ ولماذا اختارت السعودية إثيوبيا لتركز بها استثماراتها الضخمة, مع أن مواردها تتشابه مع مصر والسودان ويزيد عليها الخبرات والاستقرار المائي والسياسي؟ رابط دائم :