أننا لم نلتفت إلي أن مجتمع المعلومات لايجوز اختزاله في تكنولوجيا المعلومات, لأنه في الواقع نموذج حضاري شامل. ولم يقل لنا أصحاب هذه الدعوات الفوضوية ماهو شكل النظام السياسي الذي سيحل محل النظام السياسي القائم؟ يخطئ من يظن سواء كان من الحزب الوطني أو من أحد الأحزاب المعارضة أن مشكلة مصر الأساسية هي الإصلاح السياسي الذي يعني في نظر الكثيرين من المعارضين المستقلين إدخال تعديلات دستورية علي عدد من مواد الدستور القائم. وتتصدر هذه المواد التي ترتفع الدعوة لتغييرها المادة76 الشهيرة التي وضعت قيودا عديدة علي ترشيح المستقلين للانتخابات الرئيسية, والمادة77 التي لاتضع قيودا زمنية علي مدة تولي رئيس الجمهورية لمنصبه بالإضافة إلي مواد خاصة بالإشراف القضائي علي الانتخابات بأنواعها المختلفة. ومرد هذا الخطأ الشائع إلي أن المجتمع المصري في الواقع يمر في هذه المرحلة التاريخية بأزمة متعددة الأبعاد لدينا أولا أزمة سياسية تتعلق بالتوتر المحتدم بين قوي النظام وقوي المعارضة والذي يدور حول اتجاهات ومراحل الإصلاح السياسي. ولدينا ثانيا: أزمة اقتصادية تتمثل في الآثار السلبية لاستقالة الدولة من أداء وظائفها الإنتاجية والرقابية لأنها تركت أمور التنمية بنسبة70% للقطاع الخاص ولم تعد لديها القدرة علي رقابة معاملات السوق التي تعتمد نظريا علي آلية العرض والطلب, مع أن الاحتكار يسود في عديد من القطاعات بدون رادع من أجهزة الدولة. ولدينا أيضا أزمة اجتماعية عميقة تتمثل في الفجوة الطبقية العميقة بين قلة من الأثرياء الذين أعطتهم الدولة مساحات شاسعة من الأراضي بأثمان بخسة ضاربوا فيها وراكموا مليارات الجنيهات علي حساب المتعاملين البسطاء في السوق. وإذا أضفنا إلي ذلك اتساع دوائر الفقر لمعدلات غير مسبوقة وتدهور أحوال الطبقة الوسطي وتدهور الأجور لطبقة عامة مما أدي إلي تدني مستوي نوعية الحياة لأدركنا أنه لابد من مواجهة كل هذه الأوضاع السلبية بسياسات رشيدة وهناك أخيرا أزمة ثقافية عميقة تتمثل في سيادة رؤية للعالم دينية مغلقة ومتشددة وتقوم أساسا علي تحريم أساليب متعددة للحياة, وتنشر موجات من التدين الشكلي علي حساب تجويد العمل وترقيته مما يستدعي صياغة سياسة ثقافية تشترك في وضعها وزارة التعليم ووزارة الثقافة ووسائل الإعلام التي تسعي لنشر ثقافة التنوير وليس الثقافة الظلامية. ومن هنا نخلص الي نتيجة أساسية هي أن المجتمع المصري يحتاج الي تغيير اجتماعي شامل. وفي تقديرنا أن نقطة البداية هي استكمال بناء مجتمع المعلومات وهذا المجتمع في سلسلة تطور المجتمعات يأتي بعد المجتمع الصناعي, واستطاع أن يقلب موازين المجتمعات عن طريق الفضاء المعلوماتي وفي قلبه شبكة الإنترنت التي تتم فيها تفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية لا حدود لها وذلك علي مستوي العالم كله. وإذا كنا في مصر أسسنا البنية التحتية لمجتمع المعلومات من حيث توفير الحواسب الآلية بأسعار رخيصة ومد شبكات الإنترنت والمحمول في كل مكان إلا أننا لم نلتفت إلي أن مجتمع المعلومات لايجوز اختزاله في تكنولوجيا المعلومات, لأنه في الواقع نموذج حضاري شامل. ووفقا لهذا النظر يمكن التأكيد انه ليس هناك مجتمع معلومات بغيرديمقراطية وبغير شفافية وبغير حرية تداول المعلومات هي التي ستخلق الشفافية المطلوبة, والتي ستسمح للمواطنين عموما وللمثقفين والإعلاميين خصوصا بممارسة النقد الاجتماعي الملتزم الذي لايذكر فقط علي السلبيات وإنما يعطيها التكييف الصحيح, بالإضافة إلي اقتراح البدائل للسياسات الحكومية الفاشلة وإذا ركزنا ابتداء في مجال التغيير الاجتماعي الشامل علي الإصلاح السياسي لقلنا: إنه يعني التحول من السلطوية التي تميز النظام السياسي المصري منذ ثورة يوليو1952 حتي الآن( وإن كان نصف القرن الماضي قد شهد بعض الانقطاعات في هذه المسيرة السلطوية وخصوصا قرار الرئيس السادات بالتحول من الحزب السياسي الواحد الاتحاد الاشتراكي الي التعددية الحزبية إلي الليبرالية, وهناك خلافات متعددة بين النظام والمعارضة حول توجهات الإصلاح السياسي ومعدلاته غير أنني أريد أن أشير إلي تفرقة مهمة بين المعارضة الديمقراطية المشروعة وبين الانشقاق السياسي الذي يسعي إلي استخدام وسائل التعبير الديمقراطية للانقلاب علي النظام. ويدخل في باب الانشقاق السياسي الدعوة التخريبية للقيام بعصيان مدني لإسقاط النظام! ولم يقل لنا أصحاب هذه الدعوات الفوضوية ماهو شكل النظام السياسي الذي سيحل محل النظام السياسي القائم؟ هل هو نظام سياسي يقوده الإخوان المسلمون لكي يؤسسوا للدولة الدينية وينسفوا أسس الدولة المدنية؟ هل هو نظام سياسي تقوده جماعات شيوعية متطرفة ستقوم بإلغاء التعددية الحزبية لحساب الحزب السياسي الواحد باعتبار أن الديمقراطية نظام غربي بورجوازي؟ هل هو نظام سياسي علي النسق الناصري الذي قام علي أساس تنظيم سياسي تابع للدولة وفي الاقتصاد يقوم علي تأميم الشركات وتقييد حرية القطاع الخاص؟ كل هذه أمثلة لأسئلة مشروعة لابد أن توجه لأصحاب الدعوات الفوضوية الذين يدعون للقيام بعصيان مدني قد يؤدي الي حالة من الفوضي العارمة. وقد يكون من المناسب أن نثير سؤالا مهما يدور حول ماهي السمات الأساسية للنظام السياسي القائم؟ النظام السياسي الراهن هو وريث نظام ثورة يوليو1952. وهذا النظام كان يركز علي قيم المواطنة وتكافؤ الفرص وتوجيه التنمية المستديمة لصالح الجماهير العريضة في إطار واسع من العدالة الاجتماعية. غير أن الأمانة تدعونا إلي أن نسجل قصور نظام ثورة يوليو1952 عن تحقيق الديمقراطية. ومن هنا يمكن القول: إن أحد جوانب النقد المشروع للنظام السياسي القائم هو غياب غالبية هذه القيم الأساسية نتيجة طغيان نموذج الرأسمالية المعولمة التي أدت ممارساتها الي الإجحاف بمصالح الدول النامية نتيجة استقلال وهيمنة الدول الصناعية المتقدمة. وأيضا نتج عنها داخل كل مجتمع من مجتمعات البلاد النامية ومنها مصر الي التهميش الاجتماعي للطبقات الدنيا والمتوسطة. ومن هنا يصبح واجبا علي المعارضة الديموقراطية سواء صدرت من الأحزاب السياسية المعاضرة أو من المستقلين ممارسة الضغط علي النظام السياسي القائم لدفعه لمزيد من خطوات التحول الديموقراطي, وضرورة مراجعة السياسة الاقتصادية السائدة, وأهمية القيام بالإصلاح الاجتماعي والثقافي. ماسبق كان مجرد مقدمات في دراسة تحديات التغيير الاجتماعي الشامل في مصر.