* اقتصدوا في كفني, فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه, وإن كنت علي غير ذلك سلبني فأسرع سلبي, واقتصدوا في حفرتي, فإنه إن كان لي عندالله خير أوسع لي فيها مد بصري, وإن كنت علي غير ذلك, ضيقها علي حتي تختلف( تتداخل) أضلاعي, ولا تخرج معي امرأة, ولا تزكوني بما ليس في, فإن الله هو أعلم بي, فإذا خرجتم فأسرعوا في المشي, فإنه إن كان لي عندالله خير قدمتموني إلي ما هو خير لي, وإن كنت علي غير ذلك القيتم عن رقابكم شرا تحملونه كانت هذه آخر وصايا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن تصعد روحه إلي بارئها راضية مرضية.. وهو من كان شعاره الذي كتبه علي خاتمه كفي بالموت واعظا يا عمر رغم بشارة النبي صلي الله عليه وسلم له بالجنة فقد قال عنه: قال لي جبريل ليبك الإسلام علي موت عمر.. وقال: عمر سراج أهل الجنة. قال الناس لسيدنا عمر بعد طعنات الغدر: أوص يا أمير المؤمنين.. أستخلف.. فقال بأسي: اتحمل أمركم حيا وميتا.. لوددت أني احظي منها بالكفاف لا علي ولا لي وإن استخلفت فقد أستخلف من هو خير مني( يقصد سيدنا ابا بكر عندما اختاره) وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني( يقصد النبي صلي الله عليه وسلم) ما أجد احق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنهم راض( وذكر اسماء علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص وطلحة بن عبيدالله وعبدالرحمن بن عوف) وقال: يشهدكم عبدالله بن عمر( ابنه) وليس له من الأمر شيء فإن أصابت الإمرة سعدا( ابن ابي وقاص) فهو ذاك وإلا فليستعن به ايكم ما أمر فإني لم اعزله( عن ولاية العراق) عن عجز ولا خيانة. وانني أوصي بالمهاجرين الأولين.. أن يدفع لهم حقهم ويحفظ حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيرا, الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم. أن يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم وأوصيه بأهل الامصار خيرا فإنهم ردء( حماة) الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وألا يأخذ عنهم إلا فضلهم عن رضاهم.. اوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام ان يأخذ من حواشي( زيادات) اموالهم وترد علي فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله صلي الله عليه وسلم( أهل الديانات الأخري) ان يولي لهم بعدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفون إلا طاقتهم.. سيدنا عمر كأنه يشعر بقرب النهاية ففي طريق عودته من آخر حجة له قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. وقال أيضا: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك.. وخطب يوما فقال: رأيت كأن ديكا نقرني نقرة أو نقرتين وإني لا أراه إلا حضور أجلي.( والديك في الرؤيا عبد أعجمي مملوك أو مؤذن.. وقيل لسيدنا عمر( يقتلك رجل من العجم).. وقد قتله فعلا رجل من العجم( الفرس) هو فيروز( أبو لؤلؤة) المجوسي( من عبدة النار).. وسيدنا عمر أمير المؤمنين هو الذي سمح له بدخول المدينة ولم يجبره علي الاسلام أو تغيير دينه.. وكان القاتل علي رأس مؤامرة من اعداء الإسلام وسبب دخوله المدينة أن المغيرة بن شعبة والي الكوفة أرسل إلي سيدنا عمر أن له غلاما مملوكا من سبايا الحرب مع الفرس اسمه فيروز ويجيد عدة صنائع فهو حداد نقاش نجار ويجيد صنع الرحا التي تطحن الحبوب وضرب عليه المغيرة دفع مائة درهم في الشهر.. فجاء أبو لؤلؤة إلي سيدنا عمر يشتكي شدة الخراج المفروض عليه.. فقال له: ماخراجك بكثير وأمره أن يحسن إلي سيده وفي نيته أن يكلم المغيره ليخفف عليه كما قال للناس.. وأراد سيدنا عمر أن يسامره فقال له: انك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح؟! فالتفت إليه وقال: لأصنعن لك رحا يتحدث بها أهل المشرق والمغرب... وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري!! وانصرف فقال سيدنا عمر: أوعدني العبد آنفا!( توعدني بالانتقام) ولم يؤاخذه بهذا الوعيد.. وكل هذا يظهر انه قد بيت القتل قبل هذه الواقعة.. وما يؤكد هذا أن عبد الرحمن بن أبي بكر رأي هذا الرجل مع الهرمزان وجفينة يتهامسون فلما فجأهم قاموا وقوفا فسقط بينهم خنجر له رأسان.. وهو الخنجر الذي قتل به سيدنا عمر.. والهرمزان أمير زالت عنه الإمارة بعد زوال الدولة المجوسية الفارسية وجفينة من أهل الأنبار الموالين للفرس.. ويقال ان كعب الأحبار اليهودي الذي تظاهر بالإسلام كان علي علم ما بالمؤامرة.. فقبل موت سيدنا عمر بثلاثة أيام قال له جهز ولي عهدك فإنك ميت بعد ثلاثة أيام.. وكرر له التحذير مرتين في اليومين التاليين. وقد طعن أبو لؤلؤة سيدنا عمر ثلاث طعنات وهو يبدأ بالناس صلاة الفجر قبل أن يكبر وضرب معه ثلاثة عشر رجلا مات منهم ستة قبل أن يلقي عليه رجل عباءته فتجندل فيها فقتل نفسه بهذا الخنجر المسموم قبل أن يمسكوه. * سقط سيدنا عمر وكان شاغله الأول اداء صلاة الفجر فأمر عبدالرحمن بن عوف بأن يؤم الناس... وعندما حملوه إلي بيته كان همه أن يعرف من قتله ولماذا.. وهل ظلمه في شيء وعندما علم أنه أبو لؤلؤة قال: ولم قاتله الله وقد أمرت به معروفا؟! ثم حمد الله قائلا: الحمدلله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط.. ما كانت العرب لتقتلني وأمر ابن عباس أن يخرج إلي المهاجرين والأنصار يسألهم: أعن ملأ منكم ومشورة( مشاركة) كان هذا الذي أصابني؟ فصاحوا معلنين: لا والله ولوددنا أن الله زاد في عمره من أعمارنا.. واشتد بكاء الناس كأنهم لم يصابوا بمصيبة قبلها.. فنهاهم أن يبكوا عليه.. سقوه نقيع تمر فخرج من الجرح أحمر كما هو فلم يعرفوا أدم هو أم النقيع.. ثم سقوه لبنا فخرج أبيض من الجرح فأشار عليه الطبيب ان يوصي وصيته الأخيرة لأنه ميت.. فقال للطبيب: لو قلت غير هذا لكذبتك * أمر ابنه عبدالله ان يسدد ديونه قبل دفنه فوجدوها تقرب من86 ألف درهم.. ثم أمره أن ينطلق إلي السيدة عائشة أم المؤمنين ويقرئها منه السلام ونهاه أن يسميه عندها أمير المؤمنين لأنه لم يعد اميرا لهم... ثم يستأذنها أن يدفن إلي جوار صاحبيه( سيدنا محمد والصديق أبي بكر).. ووجدها عبدالله تبكي.. وأذنت له وقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم علي نفسي. وخشي سيدنا عمر أن تكون موافقتها نتيجة هول الموقف أو حياء منه فأمر ابنه عبدالله وقال له: ياعبد الله بن عمر إذا أنا قبضت فاحملوني ثم قف علي الباب( باب السيدة عائشة) فقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلني وإن ردتني فردني إلي مقابر المسلمين. * طعن سيدنا عمر يوم الأربعاء نهاية ذي الحجة ومات يوم الأحد( بعد حوالي أربعة أيام) في مستهل شهر المحرم وعمره حوالي63 عاما بعد أن قضي في الخلافة عشر سنوات من13 هجرية الي23 هجرية وأصبح علامة خفاقة متفردة علي جبين التاريخ في قدرة الإنسان علي تحقيق العدل.. وأصبح حجة تفزع الظالمين الي يوم القيامة وأسوة من البشر( بعد رسول الله) لهداية الحائرين * واستحق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان يكون من أسباب نزول قوله تعالي: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا صدق الله العظيم [email protected]