حسنا فعلت الحكومة عندما قررت إدخال تعديل جوهري علي قواعد العمل بقانون الطوارئ. كان بإمكان الحكومة أن تفعل أحسن من ذلك بكثير لو قامت بإلغاء العمل بقانون الطوارئ كلية, واستبدلته بقوانين خاصة بمكافحة الإرهاب وتجارة وتهريب المخدرات. بمقتضي القواعد الجديدة سيكون علي الحكومة عبء البرهنة علي أن أي تطبيق جديد لقانون الطوارئ تنطبق عليه شروط الإرهاب أو مكافحة المخدرات, وبمقتضاها أيضا وضعت الحكومة في يد المحامين والمدافعين عن الحريات نصا قانونيا هو في حقيقته سلاح يمكن استخدامه ضد ممارسات تعسفية قد تقع هنا أو هناك. تعديل قواعد العمل بقانون الطورائ ليس سوي حلقة جديدة من حلقات الإصلاح السياسي الجاري في مصر. أتمني لو كان الإصلاح السياسي أكثر سرعة وعمقا, لكنني أثمن وأقدر القدر الذي تحقق منه حتي الآن. لدينا الآن صحف وأجهزة إعلام تتمتع بمساحة حرية يحسدنا عليها الناس في كل بلاد العرب, ربما باستثناء لبنان. الناس في مصر يستطيعون الخروج للشارع للتعبير عن مطالب والاحتجاج ضد سياسات وقرارات حتي بات مشهد المظاهرات والوقفات الاحتجاجية لا يثير الاستغراب. لدينا في مصر انتخابات رئاسية تنافسية, وأصبح الناس يتداولون بحرية أسماء لشخصيات يراها البعض مؤهلة للوصول للمنصب الرفيع. مشهد أعضاء مجلس الشعب من الحكومة والمعارضة وهم يتناظرون مؤيدين ومعارضين لقانون الطوارئ في صيغته الجديدة يصعب حدوثه سوي في مجتمع يتقدم علي طريق الانفتاح السياسي والديمقراطية. في تقييد سلطة الحكومة في تطبيق الإجراءات الاستثنائية دليل جديد علي أن مسيرة الإصلاح السياسي في مصر تواصل تقدمها إلي الأمام, وفيه أيضا مؤشر إضافي علي أن حكومتنا لم تعد تعيش في واد بعيد عن الناس وعن المعارضة. تجاوبت الحكومة مع جزء من مطالب المعارضة, وهذا جيد لأنه ليس متوقعا من الحكومة, أي حكومة, أن تستجيب لكل مطالب المعارضة وإلا كانت المعارضة هي التي تحكم البلاد متخفية في هيئة الحكومة. ألزمت الحكومة نفسها بقيود إضافية في تطبيقها لقانون الطوارئ, لكن مازال عليها أن تبذل جهدا كبيرا لشرح المغزي والمحتوي الإصلاحي لهذا الإجراء. الإبقاء علي قانون الطوارئ ولو بالاسم فقط يضع في يد المعارضة سلاحا مؤثرا لن تتردد في استخدامه. إخفاق الحكومة في تسويق المغزي الإصلاحي للطوارئ المقيدة يقوض أي فائدة سياسية يمكن للحكومة أن تجنيها من وراء خطوتها هذه.