الصورة هي لقطة منتزعة من سياقها وعند نشرها عبر اي وسيط تتخذ سياقا جديدا يرتبط بما اراد صاحبها ايصالها لمن يشاهدها هذا تلخيص لتعريف عالم الاعلام الهولندي شيرايبر في بحثه المعنون ب انطولوجيا الصورة. في تعريفه يري شرايبر علي عكس فهمنا الشائع بان الصورة تمثل الواقع وتقدمه ان صاحب الصورة الذي يقوم بتثبيت لحظة واحدة من الواقع يقوم بصنع سياق مختلف لهذا الواقع,لايمكن التأكد ان كان الفنان التشكيلي احمد صبري قد قرأ تعريف شرل يبر هذا قبل ان يقرر العمل من خلاله في معرضه الاخير تليفزيون البرنس المقام حاليا بقاعة جاليري مشربية للفنون. في المعرض اختار احمد صبري لقطات من برامج واعلانات وافلام واحتفظ بقدر قليل من العلامات التي تكشف عن القنوات التي عرضت تلك الصور والتي ظهرت شعاراتها جلية في لوحات المعرض اما خلاف ذلك فقد اتخذت عناصر الصورة ابعادا اخري تماما فالتناقض بين الصورة والكلمة المكتوبة تنقل صورة اخري يراها الفنان لواقع واعلام كاذب ومراوغ فقد تحولت اللوحات الي نوافذ لشاشات التليفزيونات العربية والاجنبية التي تبث في المنطقة العربية الغارقة وسط طوفان من الفضائيات المتناقضة التي يرصدها احمد صبري في معرضه. فبين القنوات الدينية السلفية ووصولا للقنوات الاباحية يقدم احمد صبري روايته لحال الاعلام الذي يبث في المنطقة العربية مغامرا بالتفات جمهور المعرض الي المضمون وحده دون العناصر الفنية التي تحفل بها الاعمال بالمعرض. التناقض هو اسم اللعبة تحمل الصورة رجلا ملتحيا يرفع اصبعه متوعدا ويعلو رأسه لوجو لاحدي القنوات السلفية الشهيرة بينما تحمل الشاشة اعلانا مكتوبا معتاد ظهوره في هذه القناة عن علاج المشكلات الجنسية او صورة لعازف كمان ينهمك في العزف متناسيا العالم وكأنه خلا من الازمات والمشكلات فيما تحمل الشاشة خبرا عن مقتل اكثر من200 شخص في نيجيريا في اطار حرب اهلية تجري هناك. واحيانا ماتتلبس اللوحات مفارقات ذات دلالة يصعب ان تتحقق علي ارض الواقع فقد اختار احمد صبري ان تنقل قناة نايل كوميديكما يبرز الشعار خبر تنازل رئيس في احدي دول العالم الثالث عن الحكم. او أن تحمل صورة من فيلم سلطة بلدي الشهير لنادية كامل الذي ينقل رحلتها واسرتها الي اسرائيل خبرا حول فصائل المقاومة العراقية التي يصفها الخبر بانها مهددة لامن العراق. او صورة اخري من فيلم بانديداس فيلم قامت ببطولته كل من سلمي حايك وبينولوبي كروز وقد حملت الترجمة المكتوبة تعهدا من فتاتين من المقاومة الفلسطينية تتحدثان عن نجاح المقاومة في قتل عدد من الجنود والضباط الاسرائيليين. المحتوي في طبقات التناقض ليس وحده صانع المحتوي فاحمد صبري يعتمد علي اشراك المتلقي بقوة في صنع مضمون اللوحات وتلقيها فهو يكتفي بوضع شعار القناة تاركا التعرف علي المشهد المقتطف ومضمونه وسياقه الحقيقي للمتلقي. يعتمد صبري هنا علي اعمال عقل المتلقي في الصورة لفهم مضمونها ومحتواها وان بدا انه لايهتم كثيرا في وصول المتلقي للمعني من عدمه فصورة فيلم بانديداس تستدعي معرفة محتوي الفيلم قبل الحكم بان الفنان يسخر من المقاومة الفلسطينية بوضع فتاتين ترتديان قناع العصابات لتتحدثا بصوت المقاومة. هذا التلاعب يحكم عملية تلقي لوحات معرض احمد صبري بالكامل فهو يلتقط صورة من فيلم قديم او حديث..عربي او غربي, لقطة من نشرة اخبار او اعلان..يتلاعب في محتواها بعض الشيء يقوم بعمليات احلال وتبديل, ينقل صورا من الثقافة الشعبيةpopCulture كاللمبي وشخصيات اعلانات قناة ميلودي وايفيهاتهم الشهيرة..ليطلع زائر معرضه علي الطبقات المتناقضة التي يتكون منها واقعة والمفردات غير واضحة المعالم التي تشكل ذوقة وثقافته. لايمكنك ان تغادر معرض صبري كما دخلت اليه, ستجد نفسك تفكر كثيرا في المحتوي الذي تتعرض له من وسائل الاعلام التي تدعي تعرية الواقع فيما تزيفه, بينما تكفل احمد صبري بان يعري حقيقتها قبل ان يقدمها اليك في معرضه الذي سينتهي في الثاني عشر من مايو الجاري.