ارتفع صوت المؤذن بالادعية قبيل أذان الفجر بمنطقة بشتيل وما ان وصلت ابتهالاته إلي مسامع وليد السائق حتي انتبه كعادته ونهض ليتوضأ معلنا بداية يومه. وحينما فرغ من صلاته واتجه يبسط الاغطية فوق أجسام أبنائه الخمسة ويقبل رؤوسهم قبل خروجه وشعر به ولده كريم ذوالاحد عشر عاما والذي يجلب أعين الحساد إليه لتشبههما الكبير كما يقول الناس وتذكر كلمات الاهالي عنه واستكثارهم عزوته كما يطلقون علي أنجاله الخمسة فتمتم بالأدعية والمعوذتين وابتسامات كريم تبعث فيه الامل كالعادة, واستمع لدعاء زوجته ببسط الرزق وسعته حتي يتمكن من سداد أقساط السيارة التي ينقل بها شحنات الفاكهة من المزارعين من قريته طهطا في سوهاج القاطنين ببشتيل التي استدان ليحصل عليها ونقلت إليه أسارير زوجته الطيبة بهجة محببة إليه حمد الله عليها كثيرا وغادر مسكنه. اتجه إلي صديقه ليوقظه لتحميل سيارته بشحنة الفاكهة إلي مدينة6 أكتوبر حسب الاتفاق وفجأة تذكر وعده لكريم ابن شقيقته الذي يعتز برجولته وقوة شكيمته بالرغم من انه لم يتجاوز العشرين عاما فاتصل بهاتفه وانتظره بجانب الطريق حتي ركب بجواره ولم تمر أقل من ساعة حتي كان العمال قد شحنوا نصف النقل بالفاكهة واستقر وليد امام المقود وانطلقت السيارة تنهب الأرض للوصول في المعياد حسب الاتفاق وبعد فترة انتبه وليد إلي أن الاربطة غير محكمة فوق الحمولة فقام بايقاف السيارة لربط السلبة وضبطها, وبمجرد أن توقفت السيارة بجانب الطريق الدائري الجديد المتجه إلي أكتوبر برز فجأة شخصان ملثمان امامها, وأشارا بسلاحهيما الآلي إلي وليد للخروج منها بهدوء ثم استوليا علي هواتفهما ونقودهما واتجه أحد اللصين للبحث داخل السيارة عن أي متعلقات خفيفة يسهل حملها فلم يجد شيئا. وهنا ثار وليد في وجه أحدهما وطالبه برد ما سلباه فانطلقت طلقة غادرة استقرت في قلبه ليسقط علي الأرض وسط بركة من الدماء النافرة وسط ذهول كريم وارتج الامر علي اللصين فأمرا كريم ان يجري أمامهما في الصحراء وتركا السيارة بعد أن رميا مفتاحها بجوار جثمان وليد. الاهرام المسائي انتقل إلي منطقة بشتيل لمشاركة أسرة وليد ابن مركز طهطا بمحافظة سوهاج وفي الطريق إلي بشتيل تطوع الاهالي بإرشادنا دون سؤال إلي مسكن شهيد الكرامة والشهامة كما يطلقون عليه. وبملامح عرف الزمان كيف ينحتها علي جبين الأب المكلوم استقبلنا فاتحا ذراعيه بالود وبادرنا بقوله اسمي مرسي خليل أحمد الجندي وعمري68 سنة ورزقني الله ب5 رجالا أصبحوا الان أربعة وأنا رجل مريض طاعن في السن وقلت أرجع بلدنا طهطا بمحافظة سوهاج وأسيب العيال تشتغل ويتحملوا المسئولية ومن آن لآخر أزورهم وكنت زمان بشتغل واصرف عليهم بالحلال حتي أصبحوا رجال وسكت يسترد انفاسه ثم خرجت حروفه بمرار عميق وهويقول الخمسة ياسر وإيهاب ومحمود ووليد للي ربنا افتكره بسبب إهمال الداخلية لأني أحملها كامل المسئولية في حادث مقتله وحسبنا الله ونعم الوكيل في من تسبب في مصائبنا ورفع صوته قائلا كان وزير الداخلية السابق مخلي في مرور علي الدائري وسيارات شرطة للحفاظ علي أرواح المصريين من البلطجية واللصوص الذين هربوا من السجون وكان سبب هربهم الاخوان. قطع كلامه فجأة وقال لنا كان وليد يعمل ليل نهار ليدفع قسط السيارة البالغ2500 جنيه في الشهر وكنت أنتظر أن يكفني سبحان الله.. وحسبنا الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب ووضع كفيه علي وجهه وهويقول يارتنا كنا شحتنا في الشوارع وبيقي وليد يربي عياله الخمسة.. من يرجع وليد لعياله وياخذ كل ما نملك. وأمسك الأب بيدي وصوته المشحون بالحزن يتلعثم في الخروج قائلا لا يمكن ان انسي كلامه قبل الحادثة بيوم واحد واتصاله وهويقول نفسي اشوفك يابا..حاسس انك تعبان ومخبي علينا.. وقال لي ادع لي يابا وانهمرت دموعه. ثم مسح الأب وجهه بيديه المبللة بالدموع وقال دم ابني في رقبة الإخوان خارج المنزل وقف ياسر مرسي شقيق وليد الأكبر رافعا رأسه لأعلي وحدثنا قائلا: أخي وليد عمره33 سنة اشتري سيارة بالقسط نصف نقل للصرف علي عياله وكان ينقل الفاكهة من بشتيل إلي أكتوبر ليوزعها علي التجار ورزقه الله ب رسلان13 سنة وكريم11 سنة وملك5 سنوات وشهد4 سنين وروتاج3 سنين الله يصبر عياله علي وفاة والدهم. قطع الحديث دخول محمد مرسي شقيق وليد الأصغر وهويقول بصوت مرتفع كل الناس تحب الفقيد لطيبته وكرمه وبمجرد ظهوره في السوق يلتف حوله الشباب لمرحه وخفة ظله وإقباله علي الحياة. بعدها صمت قليلا ثم نظر إلي أعلي وقال نحن راضون بقضاء الله لكني أتساءل أين سيارات تأمين الشرطة علي الطرق وخاصة الصحراوية لمنع وقوع ضحية أخري مثل وليد.