الأحكام الشرعية في الجملة شرعها الشارع الحكيم لتحقيق مقاصد كبري للناس, وبالاستقراء فيها استنبط الائمة الأعلام هذه المقاصد علي النحو التالي: الضروريات: هي الأمور التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا, وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل( أو العرض)., وهي أقوي مراتب المصالح بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الناس علي استقامة, بل علي فساد وتهارج وفوت حياة, وفي الأخري فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. الحاجيات: هي التي يحتاج إليها لكن لا تصل إلي حد الضرورة, فإذا لم تراع دخل علي المكلفين في الجملة الحرج والمشقة ومن أمثلتها الرخص و رفع الحرج. التحسينات: هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات, وتجنب المدنسات التي تأنفها العقول الراجحة, وهي تقع موقع التحسين والتيسير, ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات. ومن صورها مكارم الأخلاق القولية والفعلية, التي حصد عليها الشرع, وأقرها العرف. ومقاصد الشرع ووسائله مترابطة متناسقة ضمن منظومة مكونات الدين الحق: العقيدة, الشريعة, الأخلاق, قال الله عز وجل : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا الآية3 من سورة المائدة. وتأتي التحسينات لتشمل ما يمكن وصفه الذوق العام في شتي السلوكيات, وهي من الأهمية بمكان إذ إن وجودها العملي من الفرد والجماعة, يجعل الحياة أكثر يسرا, وأحسن حالا, ويرتفع بها إلي مستوي عال من اليسر والنظام والجمال. وصور الذوق العام كثيرة, وشواهدها في الإسلام غزيرة, وأمثلتها مستفيضة فمن ذلك: تحسين الخلق: يعني به التحسين الباطني من مدافعة ومعالجة الحقد والحسد, والاستهانة بالمعاصي, والاستخفاف بالايذاء للنفس والغير, وشتي ما حظره الشرع, ويأباه الطبع السليم, قال الله عز وجل قد أفلح من زكاها 9 من سورة الشمس , والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الآية الاخيرة من سورة العنكبوت , والتحسين الظاهري من الترفع عما يناهض الخلق الكريم, ويناقض السلوك السوي, ويضاد الأدب الحميد, فمن ذلك لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب, اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا 12,11 من سورة الحجرات , والتوجيهات النبوية في هذا مشهورة معروفة في شتي مجالات ومواطن وأحوال تحسين الخلق. تحسين الهيئة: دون مبالغة, ودون شذوذ عن عرف المجتمع, ودون سعي لهيئة شهرة, فالتحسينات لها ولغيرها حض عليها الشارع شريطة صدق النية, وإرادة الخير, ومما يستدل به ويستشهد عليه( أصلحوا رجالكم, وأصلحوا لباسكم, حتي تكونوا كأنكم شامة في الناس, فإن الله لا يحب الفحش, ولا التفحش. سنن أبي داود.. تحسين الأفنية: يعني بهذا أماكن ودور المعيشة من منازل وطرقات وما أشبه, والأصل فيه خبر إن الله طيب يحب الطيب, نظيف يحب النظافة, كريم يحب الكرم, جواد يحب الجود, فنظفوا أفنيتكم... سنن الترمذي. تحسين المشية: أن تكون علي سكينة ووقار من غير تكبر ولا تماوت, قال الله عز وجل واقصد في مشيك 19 من سورة لقمان , وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا63 الفرقان , ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا 18 من سورة لقمان.. تحسين المعاملات: وأهمها السماحة في البيع والشراء والمطالبة بالدين وما أشبه, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : رحم الله تعالي رجلا سمحا إذا باع, وإذا اشتري, وإذا اقتضي.... صحيح البخاري.. تحسين الصوت: من التوسط فيه, دون صياح ولا صراخ ولا ميوعة قال الله تعالي واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير 19 من سورة لقمان.. وتأتي إماطة الأذي عن الطريق و حق الطريق, وعدم قضاء الحاجة من بول وتغوط في الطرق وموارد المياه وجوار الاشجار, والرفق بالحيوان, والمحافظة علي نظافة الجسد والثياب, ومراعاة شعور الآخرين, بأدلة شرعية جامعة بين ترغيب وترهيب, لتضاف إلي صنوفها وما يماثلها ويناظرها بالاضافة إلي العرف والعادة( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن موطأ مالك.. فأين نحن من جواهر وذخائر ونفائس الذوق العام منهج ومقصود الدين الحق علما وتعليما وتطبيقا؟! أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر رابط دائم :