لم أبالغ عندما قلت إن المعاش الذي يحصل عليه العامل أو الموظف المصري لا يعدو أن يكون بدل شحاتة, وأن نظام التأمينات المصري, ما هو إلا ذل ومهانة لملايين المصريين ليس فقط من كبار السن, ولكن أيضا أولادهم وبناتهم, وأن ضم أموال التأمينات الاجتماعية إلي أموال الدولة, وهي في أقل التقديرات500 مليار جنيه جريمة كبري, لم يحاكم عليها أحد بعد, رغم أن ضحاياها يموتون كل يوم جوعا وإهمالا ومذلة. وقد تعرضت مهنة الصحافة في مصر إلي التجريف والتسطيح, والاحتواء, وتحولت إلي مهنة تابعة موجهة, لا هدف لها سوي التغني بإنجازات النظام, والدفاع عن جرائمه وأخطائه, وتبرير كل ما يصدر عنه, فتحولت إلي نشرات حكومية, بدلا من أن تكون صوت الشعب, ولسان الناس, والمتحدث الرسمي باسم الأمة, وحتي يحقق النظام ذلك ويسيطر علي الصحفيين وضع مادة سن المعاش وجعل تجديده حقا في يد رئيس التحرير, ورغم وجود هذه المادة منذ عام1996, إلا أنها لم تفعل, إلا نادرا كلما علا صوت يريدون إسكاته. ورغم أن عدد الصحفيين في مصر كلها لا يتجاوز السبعة آلاف علي أكثر تقدير, إلا أن السادة رؤساء التحرير ورؤساء مجلس الادارة, يتعاملون مع قضية الإحالة إلي التقاعد, وكأنها الوسيلة الوحيدة لتخفيض الإنفاقات, والتخلص من عجز موازنات مؤسساتهم, مع أن ذلك كلمة حق يراد بها باطل, فهناك أوجه صرف كثيرة جدا, يتم الصرف فيها ببذخ مبالغ فيه, ولا يضاهي أبدا إجمالي مرتبات من يريدون إقصاءهم من الصحفيين. فلا يزيد عدد من يصلون إلي سن الستين كل عام من الصحفيين علي العشرين صحفيا في كل مؤسسة علي أكثر تقدير, يتقاضون مرتبات هزيلة بعد أن أفنوا عمرهم في بلاط صاحبة الجلالة, ولذلك يضطر غالبية الصحفيين للعمل الاضافي حتي يؤمنوا احتياجات الأبناء والبنات, من مصاريف مدارس وجامعات, وصحة وعلاج ومسكن, إضافة إلي انتشار البطالة, التي تجعل الآباء هم الذين يتحملون مصاريف الزواج والمسكن إذا ما فكروا في تزويج أبنائهم, ومع ذلك لم يفكر المسئولون عن الصحافة في معالجة هذا الوضع, وتعديل قوانين الصحافة بما يصل بسن التقاعد إلي الخامسة والستين مباشرة, وحماية جموع الصحفيين من تحكم القيادات فيهم. وعندما نطالب بذلك فهذه ليست بدعة, فالسادة القضاة لا يحالون إلي التقاعد إلا في سن السبعين, وأستاذ الجامعة يسمح له أن يمارس عمله مدي الحياة, فهل هذا بكثير علي أصحاب مهنة القلم والفكر؟ الذين يدافعون عن الناس, ولا يجدون من ينصفهم؟!! ولا تسير مهنة الصحافة في مصر سيرا طبيعيا, فرغم أن هناك ما لا يقل عن30 كلية أو قسم إعلام وصحافة لتخريج وإعداد الصحفيين, إلا أنه لا يوجد إلزام علي الصحف أن تعين أو تستعين بهؤلاء الخريجين, كما يغيب التنسيق بين هذه الكليات والمؤسسات الصحفية, فهي في واد والمؤسسات الصحفية في واد آخر. كما أن هذه المؤسسات يغيب عنها التخطيط للاحتياجات من الكوادر البشرية, وتتحكم الوساطة والمحسوبية في معظم الأوقات في التوظيف بها, ولا توجد معايير دقيقة لتعيين الصحفيين, ولا تعقد امتحانات أو مسابقات, مما أدي إلي ضعف مستوي المحررين الجدد, الذين لا يتم إعدادهم الإعداد الجيد في كليات أو أقسام الصحافة والإعلام, التي تخلو من الدراسات التطبيقية والتدريبات العملية, وتعتمد علي المناهج النظرية في معظم الأحيان. هذا الوضع يجعل من الضروري الابقاء علي أصحاب الخبرات والكفاءات من الصحفيين القدامي, فالصحافة مهنة تراكم خبرات, ومن هنا يكون من الخطأ التخلص من أصحاب الخبرات فيها, الذين يقومون بدور التدريب والتعليم للزملاء الجدد, الذين وفدوا إلي المؤسسات الصحفية بدون خبرات سابقة أو بدون معرفة صحفية, ولا حتي أبجديات العمل الصحفي, ولهذا لابد أن يكون هناك تواصل وتناغم في الأجيال الصحفية, وليس طرد الكفاءات أو كل من وصل إلي سن المعاش, وليس هذا افتئاتا علي حق الشاب, وإنما هو لتدعيم وجودهم, فلا يمكن أن يتفوق تلميذ بدون وجود أستاذ, فلا تقتلوا أساتذة الصحافة وشيوخها بحجة عجز الميزانيات, فهم لا يعرفون إلا الصحافة مهنة, ولا يمكن مثلا أن يعملوا في سوبر ماركت أو سائقي تاكسي!! رابط دائم :