وإذا كانت مصر هبة النيل كما قال هيرودوت, وكان النيل والشعب معا هما صناع الحضارة المصرية العظيمة, فإن سيناء كانت هي الشاهد الأول والحقيقي علي تلك الحضارة العظيمة, لأنه من خلالها جاء الغازي, وعبرها أيضا فر الغزاةتطفو سيناء علي سطح الحياة العامة بين الحين والآخر, وكأننا نتذكرها فقط حينما تهددها المخاطر, ثم سرعان ما يذوب هذا الاهتمام في بحر مشكلات الوادي اليومية, بحيث أصبحت سيناء هي القضية المنسية دائما بالرغم من أهميتها التاريخية وقيمتها الجغرافية العظيمة لمصر. سيناء.. توشريت بالهيروغليفية, حوريب في التوراة, وسيناء نسبة إلي الإله سين إله القمر في بابل القديمة, وسميت أيضا دومنكات أي مدرجات الفيروز وهي الأرض المباركة التي مر عليها السيد المسيح عليه السلام, وخطي عليها سيدنا موسي ويوسف الصديق عليهما السلام أرض الأنبياء والقساوسة والكهنة, والطرق التي انفتحت من خلالها مصر الحضارة علي العالم تلك القطعة الغالية من تراب الوطن التي تبلغ مساحتها حوالي61 ألف كم مربع, ما يعادل سدس مساحة مصر تقريبا, وتحتوي علي ما يقرب من947 ألف فدان صالحة للزراعة وبها عشرات المناطق الجاذبة لأنظار العالم من السياحة الترفيهية والأثرية والثقافية والشاطئية والدينية, بالإضافة إلي المعادن المختلفة ومنها انطلقت جيوش الفراعنة فاتحة أو طاردة لغزاة حاولوا نهب ثرواتها لعبت دورا حضاريا عظيما في العصر الروماني, ثم كانت طريقا لتجارة الأنباط, ونقطة انطلاق بعد ذلك لانتشار الإسلام في شمال أفريقيا كان محمد علي هو أول من عرف قيمتها فأنشأ محافظة للعريش عام1810, خسرناها في نكسة67 وخضنا حرب تحريرها عام73 ودخل السادات في معاهدة صلح عام79 مع الصهاينة لاستعادتها. وإذا كانت مصر هبة النيل كما قال هيرودوت, وكان النيل والشعب معا هما صناع الحضارة المصرية العظيمة, فإن سيناء كانت هي الشاهد الأول والحقيقي علي تلك الحضارة العظيمة, لأنه من خلالها جاء الغازي, وعبرها أيضا فر الغزاة امام مطاردة الجيوش المصرية بدءا من وني في الأسرة السادسة حينما حارب وطارد سكان الرمال الأسيويين, ومعركة قادش في الأسرة19 في عهد رمسيس الثاني, ومعركة مجدو في الآسرة18 في عصر تحتمس الثالث كانت سيناء شاهدة علي حضارة مصر وعلي استبسال شعبها في الدفاع عن أراضيه التي لم تتوقف عند حدود سيناء فحسب بل إلي ما وراء بلاد النهرين. وتاريخ مصر القديم والحديث هو تاريخ سيناء, حيث ظلت بوابة الأمن الرئيسية علي مدار التاريخ, فلم يكن بيننا وبين الحدود الغربية مشكلات تذكر إلا فيما ندر, ولم يكن بيننا وبين الجنوب أيضا مشكلات كبري بل ظلت سيناء هي مناط الآمن والاستقرار الحقيقي, لذلك ليست تلك البقعة المهمة من جغرافية مصر مجرد مساحة تشغل حيزا من الفراغ, أو كما مهملا مرميا في أطراف الخريطة الجغرافية والسياسية, فسيناء في حقيقة الآمر هي صلب الأمن القومي المصري, منها يستمد الوطن حريته الحقيقية, كما نستمد من النيل وجودنا الحقيقي, ومنها نستمد المعني الحقيقي للوحدة الوطنية, ووحدة الأديان لما لها من قيمة دينية كبري لدي المسيحيين والمسلمين. وسيناء في العصر الحديث ظلت مهملة غير مقدرة حق قدرها.. وهي مأساة حقيقية شاركنا جميعا في صنعها, وربما نقبض بأيدينا علي شوك زرعناه فيها إن لم ننتبه لدورها وقيمتها وأهميتها المفرطة في صناعة مستقبل أفضل لنا جميعا.. وذلك لن يتأتي بدون وضع تصور علمي قابل للتطبيق ومن أهم بنود ذلك البرنامج: 1 إعادة رسم الخريطة الأمنية لسيناء بطريقة تتوافق مع أحدث النظم العلمية في التأمين. 2 إقامة مناطق صناعية تتناسب مع مماتمتلكه سيناء من موارد طبيعية, وبما يسمح بتوطين ما يقرب من7 10 ملايين مصري. 3 إعادة النظر في قرارات عدم أحقية أهل سيناء في تملك اراضي سيناء مع وضع جميع الضوابط التي تحمي الأمن القومي المصري, علي أن يكون حق التملك هو الحق الأصيل في هذا الأمر. 4 ضرورة إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد وخاصة في المنطقتين ب و ج. 5 البدء في استصلاح ما يقرب من مليون فدان كمشروع قومي مصري في السنوات العشر القادمة. 6 تعيين وزير دولة لشئون سيناء لن نستطيع الحفاظ علي سيناء بالأسلاك الشائكة فقط, ولكن بغرس الأمل والعلم والبشر فيها عبر فئات من الشعب تؤمن بأن سيناء جزء أصيل من تراب هذا الوطن.