علي الرغم من أن ممارسة سياسات التمييز والعنصرية ضد' الآخر' سواء داخل الدولة أو بين الدول تعود إلي قرون طويلة, إلا أن وعي المجتمع الدولي, ومن ثم مجموعات من المفكرين والكتاب والسياسيين بها جاء متأخرا, وربما كانت نقطة البداية في التصدي لهذه السياسات والممارسات جاءت بعد ازدياد وطأة الإحساس بنتائجها السلبية علي المجتمعات التي تمارس بها, وأيضا علي المجتمع الدولي عندما حملت دول معينة أفكارا عنصرية وبدأت في ممارسة سياسات تمييزية أسفرت في بعض جوانبها, وفي مراحل مختلفة من التاريخ عن حملات إبادة وتطهير, وفي مراحل أخري عن ظاهرة الاستعمار واحتلال أراضي الغير بداعي الأخذ بيد شعوب معينة إلي المدنية والتحديث فيما عرف ب' عبء الرجل الأبيض'. وعلي الرغم من أن التحرك الدولي باتجاه مواجهة ظواهر العنصرية وسياسات التمييز العنصري قد بدأ في قرون سابقة سواء في مواثيق لحقوق الإنسان أو مبادئ وشعارات تركز علي المساواة, إلا أن التحرك الحقيقي لمواجهة ظاهرة العنصرية وسياسات التمييز العنصري قد بدأ علي نحو جدي في القرن العشرين, وتحديدا بدءا من منتصف القرن وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. فمع تأسيس الأممالمتحدة وهيئاتها المختلفة تكثفت الجهود الرامية إلي تكريس احترام حقوق الإنسان في كافة المجالات وتدريجيا امتد الاهتمام إلي حماية الأقليات والمجموعات البشرية الموجودة في مجتمعات مغايرة لها في العرق أو اللغة أو الدين أو جميع هذه المكونات. وبعد انتهاء الحرب الباردة تزايدت مساحة الاهتمام بمواجهة سياسات التمييز والعنصرية ضمن مجال حركة السياسة الخارجية الأمريكية علي النحو الذي بدا واضحا في صدور عديد من القوانين المعنية بحماية الأقليات ومواجهة سياسات التمييز والعنصرية, وهو الأمر الذي حظي بقدر أكبر من الاهتمام من قبل الاتحاد الأوروبي. والأمر المؤكد أن مناهضة سياسات التمييز والعنصرية علي مختلف أشكالها باتت تحظي بقدر متزايد من الاهتمام علي الصعيد الدولي وداخل عدد كبير من الدول, وتكاثرت علي مدار العقود القليلة الماضية المؤسسات والهيئات والمنظمات التي تعمل من أجل نشر قيم المساواة والتسامح وقبول الآخر, كما أبدي المجتمع الدولي- في حدود قدراته علي العمل لاسيما حينما تتصادم الرؤية المبدئية مع مصالح القوي الكبري- حزما واضحا في مواجهة سياسات التمييز والعنصرية وبدا في أحيان كثيرة مستعدا للتدخل العسكري لاعتبارات إنسانية وهو ما بات يعرف ب' حق التدخل الدولي الإنساني' علي غرار ما جري في كوسوفو عام1999 عندما شنت قوات حلف الأطلنطي حملة عسكرية علي يوغوسلافيا الجديدة- صربيا والجبل الأسود- لمنع عمليات تطهير عرقي ضد الألبان في إقليم كوسوفو. صحيح أن العمل في هذا الميدان لايزال أسير الاعتبارات السياسية وتحديدا مصالح الدول الكبري, إلا أن الصحيح أيضا أن نبذ ومواجهة سياسات التمييز والتطهير العرقي باتت تحظي بتأييد واسع النطاق. وقبل الحديث عن حدود وأبعاد عملية مناهضة التمييز في العالم العربي, نقدم أولا تعريفات مبسطة لأبرز المفاهيم المتداولة في هذه القضية. وهنا نقول إن أبرز المفاهيم المستخدمة هي العنصرية, التمييز والتعصب. مفهوم العنصرية: وفقا لتعريف الموسوعة البريطانية العنصرية هي الفكرة أو النظرية التي تري أن هناك رابطة سببية بين الصفات الفيزيقية وبين صفات معينة في الشخصية أو مستوي الذكاء أو نوعية الثقافة ويرتبط بها مفهوم رقي بعض الأعراق علي غيرها بشكل وراثي. وغني عن البيان هنا أن هذا المفهوم يستند إلي أساس جوهري هو النقاء العرقي. مفهوم التمييز تعرف الموسوعة البريطانية التمييز بأنه المعاملة المختلفة للأفراد الذين ينتمون لعرق أو لغة أو دين أو جنس معين, وتتمثل هذه المعاملة في أغلب الأحوال في فرض قيود عليهم بشكل رسمي أو واقعي قد تتعلق هذه القيود بمكان الإقامة أو التسهيلات, الخدمات العامة أو المجتمعية المتاحة. والتمييز بالتالي هو تلك العملية التي بمقتضاها اتباع مجموعة من السياسات والإجراءات المتباينة من حيث الحقوق أو الالتزامات تجاه جماعة من البشر نتيجة لما تتمتع به تلك الجماعة من صفات مختلفة تتعلق بالعرق أو اللغة أو الدين أو الجنس أو اللون أو غير ذلك من معايير الاختلاف. مفهوم التعصب: رؤية شاملة قدم علماء النفس الاجتماعي مفهوم التعصب بمكوناته المختلفة لكي يوفر رؤية شاملة تحتضن بداخلها كافة المفاهيم والسياسات المتعلقة بالعنصرية والتمييز. وتأتي كلمة تعصب في اللغة العربية من' العصبية' وهي أن يدعو الرجل إلي نصرة عصبته والتألب معها علي من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين. أما في الأصل الأوروبي فإن مفهوم التعصب مشتق من أصل لاتيني يعني الحكم المسبق الذي ليس له أي سند يدعمه. وقد حدد علماء النفس الاجتماعي ثلاثة مكونات لمفهوم التعصب هي: 1-المكون المعرفي: ويتمثل في المعتقدات والأفكار والتصورات التي توجد لدي أفراد عن أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة وهو ما يأخذ صورةالقوالب النمطيةStereoTypes والتي تعني تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة يتم في ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلي هذه الجماعة بناء علي مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات المعرضة للقولبة النمطية لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحا وأكثرها مقاومة للتغيير. 2-المكون الانفعالي: وهو بمثابة البطانة الوحدانية التي تغلف المكون المعرفي, فإذا افتقد الاتجاه مكونه الانفعالي يصعب وصفه بالتعصب. 3-المكون السلوكي: وهو المظهر الخارجي للتعبير عما يحمل الفرد من مشاعر وقوالب نمطية ويتدرج هذا المكون إلي خمس درجات: أ-الامتناع عن التعبير اللفظي خارج إطار الجماعة علي نحو يعكس سلوك كراهية دفينة. ب- التجنب: أي الانسحاب من التعامل مع المجموعة أو المجموعات الأخري رفضا لها. ج-التمييز: ويمثل بداية أشكال تطبيق التعصب الفعال, أي السعي إلي منع أعضاء الجماعات الأخري من الحصول علي مزايا أو تسهيلات أو مكاسب سواء علي نحو رسمي أو واقعي. د- الهجوم الجسماني: أي الاعتداء البدني علي أعضاء الجماعة أو الجماعات الأخري. ه- الإبادة: وتمثل المرحلة النهائية للعداوة والكراهية وتجسد قمة الفعل العنصري وتعبر عن نفسها في شكل مذابح جماعية بناء علي أساس الانقسام أو التمييز.