لا أحد يذكر اننا مقبلون علي أزمة اقتصادية طاحنة خلال الأيام القليلة المقبلة ولا أحد يستطيع أن يذكر اننا بالفعل مقبلون علي موجة كبيرة لارتفاع الأسعار قد لا يتحملها كثير من المواطنين في مصر خاصة بعد الزيادات التي تمت في كثير من السلع وأيضا بعض الزيادات الضرائبية التي لجأت إليها الحكومة بليل بعد أن أجلتها بعض الوقت لحين تمرير الدستور, مع أنها كانت قد وافقت عليها وصدق عليها رئيس الدولة وتم نشرها سرا في الوقائع الرسمية! نعم.. نحن أمام أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن وصل حجم العجز في الموازنة إلي ما يزيد علي175 مليار جنيه وبعد أن ارتفع سعر الدولار بشكل كبير خلال هذا الأسبوع وسوف يستمر في الارتفاع مما ستترتب عليه زيادة أسعار السلع خاصة التي نستوردها من الخارج وستكون الصدمة كبيرة إذا علمنا اننا نستورد ما يقرب من75% من احتياجات الغذائية من الخارج خصوصا القمح بل أصبحنا أكبر دولة علي مستوي العالم في استيراده. نعم لابد للحكومة الحالية أن تتحرك بسرعة وأن تكون لديها خطة واضحة ورؤية محددة لمواجهة هذه الأزمة دون انتظار موافقة صندوق النقد الدولي علي إقراضنا4,8 مليار دولار المنتظرة لسد العجز والموازنة وإن كانت هذه الكمية في حالة الموافقة عليها لن تكفي لاننا سنحتاج أيضا إلي ما يزيد علي14 مليار دولار اخري كقروض من مختلف المؤسسات المالية الدولية خلال العشرين شهرا المقبلة كما صرح بذلك ممتاز السعيد وزير المالية زاته, وسيكون قرض صندوق النقد الدولي مجرد شهادة ثقة مؤقتة للمؤسسات الدولية لكي توافق علي إقراضنا ما نحتاجه من عملة صعبة. لكن ليعلم الجميع أن هذا لن يكون هو الحل لإنقاذ مصر من عثرتها الإقتصادية لأن كل هذا في النهاية ما هو إلا ديون جديدة علي مصر ستتحملها الأجيال المقبلة, ولابد لنا أن نبحث من جانبنا أن نعتمد علي ذاتنا ونحاول أن نزيد من إيراداتنا خاصة وأن إيرادات الدولة الحالية لا تكفي سوي60% من حجم النفقات والمصروفات, أي اننا نحتاج إلي40% موارد إضافية لسد العجز الذي نعاني منه وهو الفارق بين الإيرادات والمصروفات, ولابد أن نبحث عن كيفية توفير هذا الفارق بعرقنا وجهدنا حتي لا نستمر في عملية الاقتراض من الخارج وإلا سنغرق في الديون وقد نقترب من حافة الإفلاس. المطلوب من الحكومة الحالية ومن مؤسسة الرئاسة أن تبحث عن كيفية الحصول علي موارد جديدة من خلال تحصيل المتأخرات الضريبية والتي تصل إلي60 مليار جنيه ولو تمكنا من تحصيل20 مليار جنيه منها بعد تشجيع الممولين من خلال حزمة من التخفيضات والمحفزات في حالة السداد سنوفر جزءا ليس بالقليل من الموارد المطلوبة, ولو بدأنا من خلال الفترة الماضية بدءا من ثورة25 يناير2011 وحتي الآن بعد غياب الأمن وعدم وضوح الرؤية حتي تعود هذه المصانع للعمل والانتاج, سوف نضخ كميات كبيرة من المنتجات في الأسواق الداخلية ونزيد من حجم التصدير ونعيد الكثير من القوي العاملة التي تحولت إلي بطالة للعمل مرة أخري. يجب أيضا علي الحكومة الحالية أن تبدأ في خطة عاجلة لتشجيع السياحة حتي تعود إلي طبيعتها التي كانت عليها قبل الثورة لأنها تعتبر الممول الرئيسي لاحتياجاتنا من العملة الصعبة وكانت تدر علينا دخلا يصل إلي12 مليار وتراجع حاليا إلي أقل من النصف خاصة أن البنية الأساسية موجودة والعمالة موجودة لكن غياب الأمن والاستقرار السياسي دفع السائحين إلي الهروب وأن تتوقف بعض الأصوات الغبية من المتشددين في التهديد بتطبيق قواعد صارمة علي السياحة والسائحين. ولابد للحكومة الحالية ولمؤسسة الرئاسة أن تعمل جاهدة خلال الفترة المقبلة علي إشراك كل القوي الوطنية معها في البحث عن كيفية مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية والعمل علي عدم تفاقمها لأن مشكلات مصر كبيرة ولن يستطيع فصيل واحد أن يواجهها وأن نبتعد عن الإصرار علي استكمال الاستيلاء علي مفاصل السلطة وإقصاء الآخرين واقتصاد كل الكفاءات الأخري المحسوبة علي تيارات سياسية مخالفة لتيار الإسلام السياسي, فمصر أكبر من أن يقودها فصيل واحد ولابد أن نعمل جميعا علي التكاتف لمواجهة مشكلاتها وإلا سيغرق الجميع في حالة الفشل في المواجهة.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.