ولدنا بصرخة ونرحل بصرخة وما بين الصرختين عشنا نهرب من الصراخ أو نكتمه.. إلي الغائب الحاضر أكتب لمن رافقني حياتي وأختفي فجأة.. مرت الأيام والشهور بل مر ما يقرب من عامين من الأحزان والآلام وأنت غائب بجسدك لكنك حاضر بروحك.. أراك في نظرة ابنتك الكبري وابتسامة الصغري وصوت ابنك فهم الذكري الخالدة التي تركتها لي.. هم من حملوا وسام شرف استشهادك وهم بسمة الأمل للحاضر والمستقبل.. تركتهم ورحلت رغم الوعد والعهد الذي كان بيننا أن نكمل المشوار سويا.. هل تتذكر أننا وهبنا حياتنا من أجلهم.. خليت بوعدك معايا ومشيت ولكنك ذهبت إلي من هو أفضل مني ومن أولادك.. حينما طلب منك الرحيل استجبت إليه.. ومن منا لا يستجيب لهذا النداء؟ الواقع أنك رحلت وبقيت أنا أتجرع آلام الفراق بعدك ورغم أن المسئولية كانت علي عاتقي كبيرة إلا أن الله عز وجل غمرني برحمته وتضاعفت قوتي وإرادتي علي تحمل المسئولية وها هي اليوم ابنتك الكبري بالصف الثالث الثانوي وستمر الأيام وستلحق بالجامعة وسوف تكون معي في هذا اليوم ولسوف تغمرك السعادة بابنتك التي كبرت والتحقت بالجامعة.. ولكنه أيضا سيكون يوما أليما لي ولها لعدم وجودك وأجدني أتساءل من سيتقدم بأوراق التحاقها غيرك وأراني أنظر إلي ابنتنا وهي حائرة بين نظرة وأخري لزميلاتها وكل واحدة فيهن إلي جوارها أبوها أما هي فأين أبوها؟.. ماذا أقول لها عندما تسألني؟؟.. هل أنا بديلة عنك؟؟ لا والله ولن أكون فكل منا له دوره ولكن شاء القدر وما قدر الله فعل هل سأقول لها كوني فخورة بأبيكي لأنه بذل دماءه وروحه من أجل وطن غال اسمه مصر؟ هل سأقول لها مصر وأرضها وشعبها ونيلها وجبالها وسماؤها وعلمها؟.. هل أقول لها إن الوطن كان عنده أغلي مني ومنك ومن أخواتك.. ماذا سأقول؟؟؟! وأنا أعرف ما بداخلها وأري نظرة عينيها مفعمة بالدموع والأحزان.. بالأمس تصفحت صفحتها الشخصية علي فيس بوك وإذا هي قد أرسلت إليك رسالة كتبت لك فيها أبي تري أين أنت الآن؟ ليتك تستطيع أن تسمعني.. ليتك تستطيع رؤيتي.. تتملكني رغبة جامحة أن أخبرك بأشياء كثيرة.. أبي أقسم لك أنني احبك.. كل شيء هنا يذكرني بك أدرك أنك ذهبت ولن تعود لكن يصعب علي تصديق ذلك.. بداخلي إحساس قوي أنك بجانبي ترعني.. طيبة قلبك.. حنانك.. عطفك.. علينا... خوفك المتناهي من أن يصيبنا مكروه.. لن أنسي كل هذا وأعلم أني لن أجد شخصا مثلك .. لن أجد من يحبني ويتقبلني بجميع سيئاتي مثلك. خسارتي فيك فادحة.. ضحيت من اجلنا.. كم تمنيت أن أكون كما أردتني.. كنت فخورا بي دائما ولكنك ذهبت بسرعة ولن تعود.. الهي إن لم يكن والدي أهلا ليبلغ رحمتك فرحمتك أهل لتبلغه.. لن أنساك أبي ما حييت. هذه رسالة ابنتك كم هم يحبونك أولادك وكم هم ينعون أنفسيهم لفراقك. ابنتك الثانبة أرسلت لك أيضا رسالة.. تشرح في رسالتها لكل من عنده أب وأم أن يجعلهما قرة عينه وتحدثت إليك بفطريتها التي عهدتها فيها.. قالت في ناس كتير يمكن مش حاسة بقيمة الأب والأم بس دول لازم يعرفوا أنهما أكيد احلي واغلي الناس في الدنيا أبي قرة عيني وأمي أغلي ما لي في الدنيا فبعد استشهاد أبي لم أجد من يخفف عني أنا وأخواتي سوي أمي فتبا لمن ينكر فضل الأب والأم أو يحاول أن يغضبهما فها هي أمي نبع الحنان وأبي الذي كان مصدرا للأمان.. كم كنت أتمني أن تراني وأنا فرحانة وتخفف عني وأنا زعلانة ولكن هذا حكم ربي وأنا راضية بحكمك يا رب فيا رب اغفر لوالدي كل الذنوب واسكنه الفردوس الأعلي واجعله مع الصالحين الأبرار واسقه من حوض نبيك المختار واجعل أمي وأبي من أهل الجنة.. هذه ابنتك الثانية قرأت رسالتها وإذا بي أنظر لابنك فأجده يدعو لك.. هو صورة منك.. الآن هو بالصف الأول الإعدادي لكنه رجل صغير حينما استشهدت كان شعره طويلا وبعد رجوعنا من قبرك وجدته يقول لي أريد قص شعري فقلت له لماذا فقال: أبي مات وهو من كان يدللني الآن أنا مكانه أرعاكي أنتي وشقيقتي.. ضممته إلي صدري وأدركت أنك تركت رجلا مثلك في حنانك وعطفك ونخوتك.. حبه لي وحنانه علي يذكراني بك وهو يود أن يجعلني ألا اشعر يفقدانك ولكن كيف وكل شيء يذكرني بك هم أنفسهم ذكري منك. واليوم اكتب لك أنا وهم هذه الرسائل وسوف نكتب لك دائما فأنت الحاضر الغائب.. دعني أقول لك أننا ولدنا وفي جوفنا صرخة ونرحل عن الدنيا بصرخة وما بين الصرختين عشنا نهرب من صريخ طويل نجتهد حتي نكتمه أما أنا فمازلت اصرخ ليس من غيابك ولكن لأنني لم أجد انجازا لما أعطيت من أجله دماءك.. لقد مر اثنان وعشرون شهرا تقريبا وباقي شهر واحد علي ذكري الثورة.. ثورة الشعب الغاضب علي النظام البائد الفاسد سوف أتوجه ذلك اليوم الي مكان استشهادك إلي الميدان لأصرخ للمرة الألف لدمائك المهدرة وأحيي ذكراك وسوف أرسل لك رسالة أخري احكي فيها ماذا جري وماذا حدث وماذا فعلت منذ يوم افتقاد جسدك يوم28 يناير2011 يوم جمعة الغضب.. يوم ثورة الشعب المصري.. وبعد إطلاق رصاص الشرطة في جسدك ومروره بكبدك مما نتج عنه تهتك بالكبد.. سوف احكي ما بعد صعود روحك إلي الرفيق الأعلي سوف احكي أنني لم أتهاون ولم أهمل في حقك أو أهدر دمك.. سوف أحكي لك ما كنت تتمناه أن يتحقق لمصر وشعبها ولم يتحقق حتي الآن. سهي سعيد الجيزة ربما كانت رسالتك تعبيرا صادقا لواقع الحياة في مصر بعد ثورة غيرت مجري الدنيا من حولنا.. واقع جديد نعيشه بعد أن دفع كثيرون من دمائهم ثمنه أملا في الحرية.. الحرية التي مازالت في رحم هذه الأمة لم تولد بعد... وليس فيما أقول شيئا من اليأس ولكنا نستعجل هذا المخاض الذي طال كثيرا ونحلم بميلاد الحرية بشكل جاد وفي اعتقادي أن رسالتك لزوجك الشهيد كانت تهدف إلي طمأنة روحه القلقة علي واقع ضحي من أجله بروحه.. لكن الأمل مازال ينبض بالحياة في قلب أولادك وأبناء هذا الوطن جميعهم وكما حمل شبابنا علي عاتقهم المبادرة وثاروا علي الطغيان مازالوا يستلهمون الأمل من أرواح الشهداء فدماؤهم لن تضيع هباء. أترين كيف هم أبناؤك ينظرون إلي روح أبيهم وكيف كانت مصر الأم والوطن أغلي من كل شيء حتي هانت لوعة الفراق في قلوب بريئة أدماها اليتم وعلت مصر في قلبك أنت علي الشوق للحبيب الغائب ترفقي بروحك القلقة يا سيدتي واعلمي أن زوجك لم يمت كما قال المولي عز وجل في محكم آياته ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون صدق الله العظيم وبالتالي فهو يعيش بيننا ويري الدنيا وهي تتغير بنا ولنا.. يفرح معك لنجاح الأولاد ويشاركك السعادة بهم.. قولي لابنتك أن أباها سيكون معها وهي تتقدم بأوراقها للجامعة وليس هذا فقط ولكنه سيسكن قلبها مدي الحياة ويرافقها في كل أمورها ويزفها إلي عريسها إن شاء الله. وإذا كان ابنه الصغير أحس برجولته مبكرا فهذا دليل علي أن نبت أولادنا قوي والأمل معقود عليهم في المستقبل ولسوف يكون الأولاد سندا لكي والرفيق في درب الحياة والعوض عن أبيهم إن شاء الله. خ. ح
للمراسلة: القاهرة شارع الجلاء رقم بريدي11511 الأهرام المسائي فاكس:25791761 تليفون:0227703100 01223920261 E.M:[email protected] رابط دائم :