من علامات الزمن الرديء أن تنتشر وتشتهر وتتسيد الدنيا الشخصيات الرديئة, وينشغل الناس بالأحداث الرديئة, وتضمحل الأخلاق والقيم الانسانية والفضائل, والمكافحين في سبيلها والعاملين عليها, ويسود المناخ العام الساعين إلي المكسب بأي وسيلة ومن أي سبيل, وتصبح الغوغائية سيدة الموقف, فتتعملق وتتوحش وتحتل المنابر والمنصات العليا, كمجلس الشعب ووسائل الاعلام والتي تمثل في المجتمعات الانسانية قلاع الحرية والفضائل والصالح العام والتقدم والانسانية ومن هنا فلم يكن غريبا في زمننا هذا الرديء ان يتسيد الفضاء الغنائي ذلك المغني القبيح الصوت والذي يرقص بتخثر وخنوثة مغنيا, مثلا: البس الطرطور, واتطرطر أو يضع أي كلمات عن أي شيء علي ايقاع ثابت مسروق من الكمبيوتر, ويتحول بين عشية وضحاها إلي واحد من المشاهير, المطلوبين في حفلات افراح رجال اعمال الزمن الرديء كذلك حيث تكون نمرته بعدة مئات من الاف الجنيهات, وتوزع اشرطته ملايين النسخ في ايام معدودة, وهكذا يصبح وهو تافه وصغير اكثر شهرة وثراء من فنان جميل الصوت وحساس ومثقف ومبدع وموهوب كعبد الحليم حافظ وقل مثل ذلك عن ممثلات وممثلين, وعن كتاب وصحفيين, وعن نواب في مجلس الشعب, لم يعرفوا يوما الانتماء السياسي, ولا حتي الصالح العام, انما احسوا وربما شجعهم البعض, بان مجلس الشعب قد هان وتضاءل واصبح يكفي للدخول اليه ونيل حصانته وبركاته ان يكون لدي الفرد بعض المال لينفقه في الدعاية الرخيصة, أو يكون هناك من يموله, ويبقي ان يستند بعد ذلك علي هذا الشخص أو ذاك من المتنفذين, ويصبح عضوا في المجلس الموقر, ثم لا نعرف عنه بعد ذلك سوي السعي وراء مصالحه الشخصية والحصول علي الأراضي برخص التراب وتسقيعها واقامة الشراكات مع الاقتصاديين, وشراء الاسهم من البورصة, والسعي للتربح من تأشيرات الحج والعمرة ومن اذونات العلاج علي نفقة الدولة, أو من أي سبيل اخر غيرها, وتجاهل مصالح الناس و الطناش علي الدور المطلوب في مناقشة الحكومة والرقابة عليها والتصدي لكل تراخ واهمال وفساد يبدر من الحكومة أو من رجالها, بل وربما المزايدة علي الحكومة والدفاع عنها بالحق والباطل, ومواجهة خصومها بالسب والشتم والاستعداد للضرب والبلطجة عليهم عند اللزوم. فإذا كانت تلك الميادين الفن والكتابة والنيابة عن الشعب مما لا يقع تحت السلطان الكامل للحكومة, أو مما هو متروك كفضاء عام لاليات السوق ومقتضيات العرض والطلب, والحقوق المكفولة للناس جسيما. فإن الامر غير ذلك في التليفزيون المصري بقنواته الارضية, والتي اقامتها الدولة باموال الشعب, وتشغلها وتدفع نفقاتها من اموال الناس كذلك وطبعا للقنوات التي تمولها وتمتلكها الدولة من الاهداف والاغراض ما يختلف تماما عن القنوات الفضائية الخاصة التي يقيمها رجال الاعمال بأموالهم, فلرجال الاعمال الحق في تحديد اهدافهم واولوياتهم من انشاء قنواتهم الخاصة, وما اذا كان الربح والمكسب هو الهدف الوحيد, أم لديهم رسالة تنويرية وتثقيفية يرون ان من واجبهم العمل عليها ام ان تصفية الحسابات والاجندات الخاصة ستكون سيدة الموقف, كل هذا يجوز في القنوات الخاصة طالما التزمت بالقانون, ولكن الامر غير ذلك في قنوات الدولة, كما قلنا, فقنوات الدولة لا ينبغي أن تهتم الا بالاهداف الوطنية في الترفيه والتثقيف والتنوير حول القضايا الوطنية وتبني هموم الناس ومشاكلهم, والسعي لنقل افكار الناس والرأي العام للمسئولين. وغير هذا من هموم واهداف وطنية. اقول هذا بمناسبة ما شاهدته الاسبوع الماضي وعلي مدي يزيد علي الساعة الكاملة, وعلي القناة الاولي المصرية, في برنامج مصر النهاردة الذي يقدمه الاعلامي البارز محمود سعد, والذي لا اعرف كيف حدد هدف ذلك البرنامج والذي استضاف فيه الكابتن احمد شوبير والمستشار مرتضي منصور وشيخه الاثير خالد الجندي الذي لا اعرف لماذا يرتدي البدلة الافرنجية حينا وزي شيوخ الازهر حينا اخر؟, المهم يعلم الناس ان هناك معركة اشتعلت بل وانفجرت بين المستشار والنائب السابق, وبين الكابتن والنائب الحالي أحمد شوبير, تبادل فيها الطرفان جميع اشكال السباب والاتهام والضرب فوق الحزام وتحته, ووصلت إلي حدود النائب العام فالمحاكم, فطلبات رفع الحصانة في مجلس الشعب, ومع ذلك فلا احد يعلم اسباب تلك الخصومة المستعرة, وما هي الاهداف التي وراءها, وهل هي مجرد اهداف خاصة واشكال قاسية من تصفية الحسابات, ام ان وراءها سعيا نحو كشف الحقائق والحرص علي الصالح العام, المهم انه من هنا وجدت القنوات الخاصة في تلك الخصومة جنازة تشبع فيها لطما فنزلت بكل قوتها إلي ساحة المعركة تفسح المجال لاحد الخصوم تارة وللآخر تارة أخري وبين هذا وذاك تزيد من القاء الزيت علي النار المشتعلة وتحصل علي المزيد من المكاسب من جراء هتك الاعراض والخوض في امور الناس الخاصة وملء الفضاء بفضائح تشغل الناس عن قضاياهم الحقيقية من ناحية وتنحط بوعيهم واذواقهم واهتماماتهم من ناحية اخري, اقول ربما كان هذا يجوز في ظروف القنوات الفضائية الخاصة, ولكن هل هذا يجوز في قنواتنا الوطنية, وهل من الممكن ان تكون اموال الناس التي تنفق علي تلك القنوات إقطاعية خاصة لهذا المذيع أو ذاك يوظفها كيف يشاء وفي ضوء اهداف لا يعلمها سواه هو؟ وهل وقت الناس متاح هكذا يستغله أي مذيع فيما قد لا يعود عليهم باي نفع؟ وعلي فرض ان ماقدمه احد الخصوم في حق الاخر من اتهامات صحيح, فهل من العدل والحق والحرص علي الصالح العام ان تنتهي كل تلك الجرائم في حق الوطن إلي صلح مجاني علي حساب العدالة وحقوق الناس؟, وبفرض ان الصلح خير وحق فلماذا لم يستضفهما المذيع اللامع في جلسة خاصة علي حسابه أو في بيته ويصنع معهام ما يعود عليه وحده بالثواب ان كان في هذا ثواب؟ وهل هذا هو تليفزيوننا المصري الذي نتوق إلي ان نري علي شاشته, حامد عمار وحسن حنفي ورشدي سعيد ومراد وهبة وسمير حنا صادق وصلاح قانصوه وعبدالمنعم تليمة ومحمد الجوهري ومحمد ابو الغار وغيرهم وغيرهم من رواد التنوير واصحاب القامات الوطنية المرموقة؟ فلا نري بدلا منهم الا هذا الغثاء الذي لا ينفع الناس ان الامر في التليفزيون المصري في حاجة إلي وقفة جادة يعرف فيها الناس سياساته ومن يحددها ويراقبها ويشرف عليها, وهو ايضا اجل وأخطر من ان يترك هكذا لكل من استطاع ان يوظفه لأغراض لا نعرفها ولا نحب أن نعرفها. [email protected]