بعد أن حذرت منظمة الأغذية والزراعة الفاو من زيادة كميات الغذاء المهدرة في مصر والتي ارتفعت معدلاتها لتصل إلي50% من الخضراوات والفاكهة, و40% من الأسماك, و30% من الألبان, فتح الأهرام المسائي هذا الملف مجددا للكشف عن مدي خطورة هذا الأمر الذي بات يهدد الأمن الغذائي والذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.. وإذا كانت الحكومات المصرية المتتابعة هي المسئول الرئيسي لكن المواطنين يشاركون في تفاقم تلك الأزمة بسبب ثقافة ترسخت لديهم وهي ثقافة الشره في استخدام الثمين والبخس دون اعتدال ودون اكتراث بخطورة ما يقوم به. في البداية يؤكد الدكتور إبراهيم عبدالمطلب حاتم مدير معهد بحوث الاقتصاد الزراعي عدم دقة معلومات منظمة الأغذية والزراعة, موضحا ان نسبة الفاقد في محصول القمح المحلي والمستورد تصل إلي متوسط مليون ونصف المليون طن سنويا في حين أن انتاجنا من القمح يقدر ب8,5 مليون طن ويبلغ متوسط الاستهلاك15.6 مليون طن مما يؤدي إلي استيراد7.5 مليون طن قمح سنويا, وبالنسبة للطماطم فتتراوح نسبة الفاقد ما بين35% و45%, والذي يقدر ب590 مليون جنيه سنويا, كما يتراوح الفاقد في البطاطس من20% إلي22% سنويا أي260 مليون جنيه, بالإضافة إلي الفاقد في الموالح كالبرتقال واليوسفي والليمون والذي يصل إلي20% في العام الواحد. وأشار إلي خطورة هذه النسب في تأثيرها السلبي علي حجم الانتاج في الأسواق وأسعار السلع وحجم الاستيراد من الخارج وشدد علي ضرورة اتباع التوصيات البحثية والإرشادية بخفض الفاقد, كاستبدال شون القمح الترابية بشون أسفلتية وذلك للحفاظ علي جودة القمح من الرطوبة وعدم اختلاطه بالأتربة ومن ثم عدم تلفه, مع نقل وحفظ الخضار والفاكهة في ثلاجات خاصة للحفاظ علي سلامتها حتي تصل إلي المستهلك, قائلا: إذا تم حفظ البطاطس في ثلاجات نستطيع خفض كمية الفاقد إلي6% فقط بدلا من22%. وأضاف أن جهود وزارة الزراعة التي انتهت من تنفيذ18 صومعة لتخزين القمح علي مستوي الجمهورية من أصل50 صومعة تعمل الأن علي زيادة المنتجات عالية الجودة بالإضافة إلي عقد مركز البحوث الزراعية ندوات لإرشاد المزارعين وزيادة وعيهم بطرق الإنتاج السليمة وكيفية التعامل مع المحاصيل, مع إعادة هيكلة البنية التسويقية في أسواق التجزئة والجملة وتغيير سبل التداول والتسويق الحالية بداية من تعبئة المنتجات وتسويقها وحتي وصولها إلي المستهلك النهائي وهو ما تختص به وزراتا التموين والتجارة وطالب الحكومة المصرية بدعم وزارة الزراعة وزيادة مخصصات مركز البحوث الزراعية وتشجيع الاستثمارات في مجالات استخدام تكنولوجيا التحزين والتبريد وتداول المحاصيل, بتيسير شروط الاستثمار مثل تقليل نسب الفائدة بالبنوك لفتح الطريق امام المستثمرين والقطاع الخاص للنهوض بالمنظومة التسويقية, مشيرا إلي أنه بالوصول إلي الحد الأدني لنسبة الفاقد والتي تتراوح ما بين8 و10% نستطيع توفير قرابة10 مليارات جنيه يتم هدرها سنويا ما بين الفاقد والاستيراد. ويؤكد دكتور نجيب الشربيني أستاذ الفاكهة بكلية الزراعة جامعة القاهرة إن الفاقد في الفاكهة يرجع إلي عاملين رئيسيين الأول هو جمع الفاكهة بعد جنيها في أقفاص من الجريد مما يؤدي إلي حداث كدمات في الفاكهة تتحول إلي عيب فيها بعد وصولها إلي الأسواق, أما السبب الثاني فيكمن في السبل المتبعة لنقل الفاكهة بدون تبريد وهو ما يؤدي إلي تلف كميات كبيرة منها. وأضاف أنه من المفترض جمع الفاكهة في عبوات مصنعة من البلاستيك تسمي البرميكا أو من الكارتون, ثم المرور بمرحلة التبريد الأولي للتخلص من حرارة الحقل قبل نقلها إلي الأسواق, مشيرا إلي إتباع هذه الأساليب فيما يتعلق بالمنتجات المصدرة إلي الخارج فقط, قائلا: لكن المواطن المصري البسيط لن يقبل بدفع أكثر من3 أو4 جنيهات لشراء كيلو فاكهة من أجل جمعها بطرق سليمة!. وشدد الشربيني علي دور الدولة لتقليل الفاقد من الفاكهة دون أن تحمل المستهلك أسعارا إضافية مثل دعم العبوات البلاستيك والتي يصل سعرها في مصر الي100 جنيه,وذلك اقتضاء بالحكومة السورية التي دعمت هذه العبوات ليصل ثمنها الي20 جنيها فقط,والتي يمكن استخدامها لأكثر من مرة مما يأتي بالنفع المؤكد وتقليل الفاقد بنسبة كبيرة. وأشار إلي دور وزارتي التجارة والتموين في تبني دورات إرشادية لتوعية التجار بطرق النقل الصحيحة مع عقد هذه الدورات التعليمية في مقر تجمعات التجار بدلا من الحملات الإعلامية منعدمة الفائدة( علي حد تعبيره, قائلا: هناك فئة في المجتمع يجب أن تذهب إليها لضمان استجابتهم. وفي نفس السياق أوضح دكتور عبد العزيز عبد النبي مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية أن الحبوب من أكثر المحاصيل التي تعاني من زيادة نسبة الفاقد وذلك لصغر حجمها بالإضافة الي عوامل التعرية وإرتفاع درجات الحرارة,وبالتالي فقد كميات كبيرة خلال عملية الحصاد مرورا بالنقل والتحزين وحتي أثناء التصنيع الذي يتم خلاله هدر كميات كبيرة منه. وأشار عبد النبي الي ضرورة توفير عبوات وسيارات محكمة الغلق لنقل الحبوب دون تسرب, مع تخزينها بأماكن صحية ومؤمنة لمنع الحشرات والقوارض من التسرب داخلها, لأنها تقضي علي مايتبقي في المخازن من الحبوب ونادي بضرورة تفعيل الأجهزة الرقابية بالدولة للقيام بدورها في الإشراف والرقابة ووضع حد لتلك الممارسات التي تؤدي الي زيادة نسبة الفاقد, مؤكدا الجهود التي يتم بذلها من قبل وزارة الزراعة من حيث زيادة بل ومضاعفة إنتاج القمح من18 إردبا عام1980 ليصل الي30 أردبا في الوقت الحالي, وذلك لسد العجز من القمح ومواجهة الفاقد منه. وانتقد قيام الحكومة باستيراد القمح في موسم حصاده مما يضر بالإنتاج المحلي ويقلل الأسعار وبالتالي عدم تشجيع الفلاحين علي زيادة الإنتاج. فيما قال دكتور فوزي الشوبكي أستاذ تغذية بالمعهد القومي للبحوث إن فاقد المنتجات الزراعية يعد من أحد الأسباب الرئيسية لما نعانيه من أزمة في الغذاء وغلاء الأسعار, مضيفا أن نسبة الفاقد في الخبز فقط تصل الي25% بحسب ما أوضحت الدراسات وذلك لرداءة صناعة الخبز التي تؤدي إلي هدر المستهلك أجزاء كبيرة منه أثناء تناوله بالإضافة الي رخص ثمنه الذي يصل الي5 قروش و بالتالي لايشعر بقيمته المواطن العادي بل ويسيء استخدامه ويقدم مايتبقي منه علفا للحيوانات مما يعد هدر للقيمة المضافة التي أضيفت علي القمح. ونوه إلي أن السبب الرئيسي لتلك الأزمة يرجع إلي ضعف وتهاون الأنظمة الإدارية في مصر التي تعمل بدون وعي أو إكتراث لحجم الخسائر التي لو أمكن تجنبها ستؤدي إلي زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي. وأكد الدكتور عبد العظيم طنطاوي مدير مركز البحوث الزراعية الأسبق ضرورة وضع آلية مشتركة تجمع كل الوزارات والجهات المختصة بالدولة لسد الفجوة الغذائية التي تصل الي60% وتحقيق الأمن الغذائي الذي يعد أبسط حقوق المواطن العادي. رابط دائم :