هنا يعيش أهالي الشبهة بالدويقة وسط صخور الجبال القاسية التي تتحول من حين لآخر إلي كتل صغيرة تستقر علي أجسادهم, فالموت يحاصرهم في كل مكان. والقمامة والحيوانات الضالة رفيق دائم لهم, والثعابين والعقارب جيران غير مرغوب فيها لأنها تنال من الأطفال باستمرار, الامطار العدو اللدود لهم لتسببها في ناس هناك دائما في رحلة بحث عن الحياة ومتطلباتها بعد أن انعدمت مياه الشرب التي تباع أمام أعينهم بجنيه للجركن فمنهم من ينظر لها ولا يستطيع الشراء ليشرب ومنهم من يبحث عن بضعة قطرات للاستحمام فقط لإزالة الروائح الكريهة والتلوث الذي يحتضن أجسادهم بالشهور. الأهرام المسائي انتقل إلي المنطقة الجبلية للتعرف علي هموم واوجاع القاطنين بهذه العشش والخطورة التي يتعرضون لها يوميا حيث لم تكن ظاهرة تشقق المنازل وانهيارها علي رءوس الأهالي هي الكارثة الأولي التي تحدث في الدويقة التي تتمايل فيها الصخور من وقت لآخر لتحصد أرواح المئات من الأبرياء بل كان هناك مرات عديدة اشهرها كارثة سبتمبر2008 والتي راح ضحيتها مئات الاسر تحت الانقاض بعد ان هشمت الصخور عششهم الصغيرة, الذكريات الاليمة تطاردهم في احلامهم, وحتي في اللغة التي يعبرون بها عن أوجاعهم وآمالهم. هما عايشين في القصور واحنا بنموت في القبور, بهذه الكلمات بدأ رمضان محمود ابن العشرينات من عمره حديثه لالأهرام المسائي قائلا: بقالي أكثر من سنتين مكلتش لحمة في بيتي, كيلو اللحمة ب50 جنيها نجيب خضار بكام يعني عشان اكل لحمة اكلف نفسي100 جنيه, طب احنا بنكسب كام100 جنيه في اليوم, دا غير المياه اللي بنشتريها كل يوم بالجركن وانت ورزقك تطلع نظيفة او وحشة, غير كدا وكدا الكهرباء عندنا خارج نطاق الخدمة. اضاف: الصخور دي عمرها ما كانت كدا غير بعد ظهور شركة اعمار والتي تقوم بتفجير الصخور بالديناميت وتفتيتها لانتاج الزلط السن, إحنا كنا عايشين هنا كويس ومكنش في حاجة لكن دلوقتي احنا في خطر بنخاف من الصخور لحسن تنزل تموتنا في اي وقت. بينما روت نجاة مفضل63 سنة تفاصيل ال48 ساعة الماضية التي قضاها الأهالي في الشارع خوفا من سقوط الصخور عليهم في اي لحظة, قائلة: سمعنا في وقت متأخر من الليل اصوات تكسير وهزات في الجبل تشبه الزلازل, خرجنا من المنازل مهرولين نحو الشارع لعدم انهيار تلك الصخور علي من فيها. وتابعت: قضينا ليلة كاحلة السواد في الشارع بأطفالنا خوفا من حدوث كارثة قد تودي بأرواحنا, بعدها قمنا بابلاغ الحي والمسئولين وذهبنا إلي قسم شرطة منشأة ناصر والذين قاموا بأخذ اقرارات علينا بعدم المبيت في المنازل لحين انتهاء اعمال اللجنة الهندسية من اعداد التقرير لمعرفة نسبة الخطورة. استوقفنا محمد طلعت محمد صاحب ال65 سنة, ليحكي معاناة20 سنة وسط الصخور والجبال, في البداية قال: كنت اعمل فرانا وعندما ظهرت المعدات الجديدة انقطعت عن العمل, ومنذ أكثر من12 سنة اعمل علي باب الله اي مصلحة بتيجي بعملها, يوم بشتغل وعشرة لأ, يوم أكل ويوم لأ. واردف طلعت قائلا: احنا مصريين مش يهود, عايزين حد ينظرلنا بعين الرحمة, عايزين دولة العلم والايمان, عايزين نشوف وعود الرئيس بالنظر للفقير وتوفير الحياة الكريمة له احنا مش شايفين منه حاجة, في رسالة منه للدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بالاهتمام بالكادحين والفقراء. وتابع: بروح اشتري الحاجات من البقال شكك لحد ما ربنا يكرمني بأي مصلحة اعملها وبعدين ادفعله, وطلعت ابني من المدرسة عشان قلة الفلوس وبالمرة يساعدني في الشغل لتحمل اعباء المعيشة. وقالت نوال حسين65 سنة ام لاربعة بنات يعيشون معها, نظرا لظروف الحياة القاسية, المياة غالية علينا ومش عارفين المياة دي جاية منين وحلوة ولا لأ بس بنشرب غصب عننا عشان مانموتش ومبنستحماش غير كل اسبوع, دا غير ان الناس بتخاف تشرب لحسن متلقيش تاني يوم عيالنا ريحتهم عفنت من قلة الحموم, ويوم بنلاقي عيش ويوم نروح يقولولنا الفرن شطبت, عايزين نطلع من الجبل ليقع علينا زي ما وقع قبل كدا وموت ناس كتير ملهاش زنب. وطالبت وردة30 سنة ام لاربعة ابناء اكبرهم لا يتعدي عمره15 عام, بتوفير حياة كريمة وامنة لجميع الاسر الموجودة وسط الجبال والمعرضة للموت يوميا من انهيار الصخور تارة ومن لدغات الثعابين والعقارب تارة أخري, بالاضافة إلي تعرضنا للكهرباء في فصل الشتاء بسبب تساقط الامطار علي الاسلاك العارية, والهزات المتكررة من الرعد. وقالت انها استأجرت شقة لتعيش بها هي واولادها الا ان اصحاب العقار طردوها من المنزل وقاموا بإلقاء الاثاث في الشارع بعدما تعثرنا في دفع الايجار, لنعود مرة اخري الي العشش ننتظر الموت او الفرج. يأتي ذلك في الوقت الذي تفقد فيه اللواء أسامة الصغير مدير امن القاهرة, للمنطقة للاطمئنان علي الاهالي القاطنة, حيث أكد لهم أنه سيقوم بالاهتمام بامرهم لازالة تلك الصخور وتعويضهم بمساكن بديلة. ورفض الصغير الادلاء بأي تصريحات لوسائل الاعلام قائلا: روحوا كلموا الناس وشوفوا مشاكلهم وهمومهم احسن. وعلق الدكتور أسامة كمال محافظ القاهرة, علي الاحداث قائلا: أن المحافظة تسعي جاهدة في إخلاء المساكن بالمناطق الخطرة علي حواف الهضاب بمنطقتي الدويقة وعزبة خيرالله طبقا للأولويات والتوصيات التي تحددها اللجان العلمية المشكلة بمعرفتها, والتي تضم أساتذة متخصصين من كليات الهندسة وهيئة المساحة الجيولوجية, لافتا إلي ان أعمال الإخلاء والتسكين مستمرة طبقا لما يتم إتاحته من وحدات سكنية لدي المحافظة أولا بأول, وأنه تم نقل وتسكين أكثر من22 ألف أسرة من منطقتي الدويقة وعزبة خير الله وإسطبل عنتر إلي وحدات آمنة صحية خلال السنوات الماضية عقب حادث انهيار الصخرة. وأشار كمال إلي أنه فور تلقي البلاغ عن شكوي بعض المواطنين من تخوفهم وجود تشققات بأعلي الصخور مما يهدد بانهيارها, قام بإرسال اللجنة العلمية ورئيس حي منشأة ناصر للانتقال الفوري لمنطقة الخطورة والمعاينة علي الطبيعة وإخطار الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة, وإخلاء السكان دون المنقولات في حالة الضرورة خوفا علي حياتهم لحين انتهاء اللجنة من المعاينة وإعداد تقريرها, مؤكدا أنه تم إخلاء حوالي54 منزلا وعشة لعدد200 أسرة تقريبا إخلاء إداري دون المنقولات, وتم التنسيق مع مأمور قسم منشأة ناصر بأخذ التعهدات اللازمة علي أصحاب المنازل بعدم الوجود داخل العقارات لحين انتهاء اللجنة من أعمالها. وأكد المحافظ ان التقرير المبدئي للجنة بالموقع المشار إليه تبين بعد معاينته أنها هضبة متوسطة الارتفاع يوجد علي المنحدر الصخري المحيط بها مجموعة من المساكن العشوائية, وتتكون صخور المنطقة من الحجر الجيري المتشقق, من خلال المعاينة لم تتم ملاحظة أي آثار لانهيار أو تحرك صخري حديث.