التفت الدنيا في الشهر الماضي حول الحدث الرياضي الأعظم والأقدم في العالم,أنها الأوليمبياد أو الألعاب الأوليمبية, حين مزج الاغريق الرياضة وإقامة الطقوس الدينية في مهرجان يعقد مرة كل أربع سنوات في مدينة أوليمبيا في اليونان علي شرف زوس كبير الآلهة وزوجته هيرا. وفي العصر الحديث,أسس البارون يير دي كوبرتان اللجنة الأوليمبية الدولية في سنة1894 م لتنظم أهم حدث دولي يأتيه الرياضيون من مختلف دول العالم, وأقيمت( أول) دورة للألعاب الأوليمبية الحديثة في أثينا في1896 م لتعقد في الصيف مرة كل أربع سنوات( ماعدا فترتي الحرب العالمية الأولي والثانية), وعقدت فيما بعد دورات أوليمبية شتوية لتشمل رياضات الشتاء, وأخري موازية أو تالية لذوي الإعاقات الجسدية,أو للشباب. يأتي العداءون من أوليمبيا اليونانية حاملين الشعلة الأوليمبية الي المدينة المستضيفة تعبيرا عن انتقال المباديء الأوليمبية من بلاد الإغريق القديمة الي العالم الحديث, ويرفرف العلم الأوليمبي الأبيض بدوائره الخمس المترابطة مشيرا لقارات العالم التي تتوحد خلال الأوليمبياد, ويطلق رئيس البلد المضيف سربا من الحمام الأبيض مناشدا الأمل في السلام العالمي, ويأبي الناشطون والسياسيون تفويت فرصة الزحمة فشهدنا في الأوليمبياد المقاطعة, والإرهاب,واللجوء السياسي( وكأن السياسة أصبحت مرضنا المزمن). تستضيف الأوليمبياد في كل مرة دولة مختلفة, تنتهز المناسبة لتعبر عن تراثها الحضاري, فشهدنا في الدورة الثلاثين( لندن2012 م) ويليام شكسبير, والأميرة وأقزامها السبعة, وموسيقي البيتلز. ولم تنس لندن أن تحكي لنا( بالمرة) عن حارس الأمن الذي استوقف رئيس وزراء بريطانيا لإبراز أوراقه الثبوتية. أثارت المناسبة مشاعر شتي, فأغمضت عيني وحلمت بما يمكن أن نعرضه من تراثنا الثري. من بين زخم المشاهد الأوليمبية اخترت ثلاثة, استوقفتني وأثارت تأملاتي: *المشهد الأول يخص المرأة والمجتمع,الشرقي إن شئت,حيث دخلت لاعبة الجودو وجدان شهر خانيتاريخ الرياضة الأوليمبية( بالرغم من أنها خرجت من الأوليمبياد بعد مرور82 ثانية فقط علي بداية النزال أمام منافستها من بورتوريكو) كأول امرأة سعودية تشارك في الأوليمبياد,فاستحقت التحية رغم خسارتها. ولحقت المرأة السعودية بركب نساء الأوليمبياد في لندن,بعد قرن وعقد!! ويقول المثل الإنجليزي أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي علي الإطلاق. علي فكرة, لم يكن الأمر سلسا,فقد أصرت السعودية علي تغطية شعرها,وتعارض ذلك مع قوانين اتحاد اللعبة, وبعد شد وجذب( لموضوع الشعر) سمح لها بارتداء غطاء خاص للرأس يحترم التقاليد ولا يشكل خطرا علي الصحة. *المشهد الثاني يتمثل في منافسات الرياضيين علي الذهب, والفضة, والبرونز, تحت الشعار الأوليمبي( أسرع, أعلي, أقوي) فيصعد الفائزون بالميداليات إلي منصة التتويج, وترتفع أعلام دولهم كما يعزف السلام الوطني للبلد الحائز علي الذهب. الرياضيون العرب فيما بين أمستردام1928 وبكين2008 م,حصدوا82 ميدالية أوليمبية(21 ذهبية و21فضية و40 برونزية), حصلت مصر علي22 منها(7 ذهبيات و6فضيات و9برونزيات) المصريان سيد نصير وابراهيم مصطفي أول من حصدا الذهب لمصر والعرب( امستردام1928 م),وانتقل بعدها الي المغاربة والجزائريين المتميزين في ألعاب القوي, وكانت المغربية نوال المتوكل أول عربية تحرز الذهب( لوس أنجليس1984 م),وانتزع العداء التونسي محمد القمودي4 ميداليات تتكون من( ذهبيتين وفضيتين) في ثلاث دورات, فكان أكثر الأبطال العرب ألقابا, بينما أذهل السباح الأمريكي مايكل فيلبس ابن السابعة والعشرين العالم بحصوله بين لندن وبكين وأثينا علي19 ميدالية هي(15 ذهبية وفضيتان وبرونزيتان). المقارنة تفرض سؤالا حزينا حول صحة شبابنا ولياقتهم البدنية, وكيف تتم صناعة البطل الأوليمبي وإعداده بطريقة علمية, وماهي مسئولية الدولة وأجهزتها الرياضية!! الملفت أيضا أن جميع الميداليات العربية( تقريبا) جاءت في الألعاب الفردية وليس الجماعية( ألعاب القوي ورفع الأثقال والملاكمة والمصارعة) فهل يعطينا ذلك رسالة. المشهد الثالث يبين كم تغيرت الدنيا, فيردد اللاعبون القسم الأوليمبي( إننا نقبل علي الألعاب كمثابرين شرفاء, نحترم قوانينها, ونسعي للاشتراك فيها بشهامة,لشرف بلادنا ولمجد الرياضة), ومن ثم لم يسمح للمحترفين بالمشاركة, وجرد بطل الخماسي والعشاري جيم ثورب من ميدالياته في دورة1912 م لاكتشاف أنه احترف رياضة البيسبول قبل مشاركته الأوليمبية. أما في لندن( بل وقبلها) أصبح الاحتراف سيد الموقف, فتجاوزت عقود الرياضيين ملايين الدولارات, وتواكب الاحتراف مع قضايا أخلاقية مثل تعاطي المنشطات, ورشوة المسئولين. ويثور السؤال المحوري, ألا يعتبر تحول الألعاب الأوليمبية بعيدا عن الهواية الخالصة محنة أخلاقية أطاحت بالمعني النبيل للمنافسات الرياضية!! وكل أربع سنوات وأنتم بخير جامعة الإسكندرية