هل من المنتظر أن تظل اليونان جزءا لايتجزأ من منظومة الاتحاد الأوربي وهو مايعني استمرار مسيرة هذا الاتحاد الذي يضرب بجذوره في التاريخ السياسي والاقتصادي الحديث لما قد يصل إلي أكثر من نصف قرن من الزمان؟. أم أنه كتب علي هذا الاتحاد انفراط عقده بعدما كان يضرب به المثل بوصفه التجربة الأكثر قوة ورسوخا في الاتحاد الاقتصادي والنقدي في التاريخ المعاصر؟ باختصار أين تقف اليونان الآن وسط أشرس أزمة ديون سيادية تعصف بها في تاريخها ومن ثم أين تقف المنظومة الاتحادية الأوروبية؟ توقعات ألمانية ربما نجد في التصريحات الرسمية الأوروبية ما قد يجيب عن هذه النوعية من التساؤلات فقد أعرب وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله عن اعتقاده أن تشكيل منطقة اليورو سيظل بلا تغيير خلال العام المقبل, وذلك فيما وصف بانه أحدث علامة علي نية برلين الإبقاء علي اليونان داخل مايعرف بنادي اليورو. وشيوبله باختصار هو أحد أشد المنتقدين لليونان, ويرفض فكرة منح أثينا مزيدا من الوقت للقيام باصلاحات كما يريد رئيس الوزراء اليوناني انتونيس سامراس. لكن التصريحات التي أدلي بها شيوبله لمحطة إذاعية تشير إلي مزيد من المرونة في موقف ألمانيا وجاء ذلك فيما أكد مسئولون كبار في حزب المستشارة أنجيلا ميركل خلال الأسابيع الماضية أن خروج اليونان من منطقة اليورو ستكون له تداعيات مالية وجيوسياسية مقلقة. وصرح شيوبله لاداعة انفو راديو الألمانية قائلا: أتوقع أن تظل منطقة اليورو كما هي الآن في العام القادم بكل أعضائها السبعة عشر. وتتعرض اليونان لضغوط لتحقيق وفورات مالية بما قيمته نحو12 مليار يورو خلال العامين المقبلين, وذلك لاسترضاء مقرضيها الدوليين الممثلين في الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. تحذيرات ميركل وحذرت ميركل أيضا أعضاء من الحزب المشارك مع حزبها في الائتلاف الحاكم من التحدث عن احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو. وقال شيوبله في الحديث الاذاعي انه يعتقد أن اليورو سيكون عملة أكثر استقرارا في العام المقبل, لكن الأمر سيستغرق وقتا حتي يسترد اليورو ثقة المستثمرين علي حد تعبيره. وأكد شيوبله أن اليونان تعد حالة خاصة متخذا موقفا مماثلا لسياسيين ألمان حريصين علي فرض سياج حولها من اقتصاديات كبيرة أخري في جنوب أوروبا مثل ايطاليا واسبانيا تواجه حاليا صعوبات أيضا. وقال شيوبله في هذا الصدد: علينا تنفيذ إجراءات غير عادية وفريدة تماما بالنسبة لليونان لتحقيق وفورات بما يزيد علي50 في المائة في اطار برنامجين للمساعدات لم نر مثلهما من قبل. وأضاف شيوبله قائلا: مشكلات اليونان فريدة من نوعها تماما ولذا فان أعباء البلاد كبيرة جدا. ومن المعتقد أن تكون ميركل التي تواجه انتخابات في العام القادم مترددة بشأن المغامرة بخفض المساعدات لليونان مما قد يدفعها للخروج من منطقة اليورو وامتداد الازمة الي أعضاء اخرين في تكتل العملة الموحدة. معارضة شعبية لكن المستشارة الألمانية تواجه معارضة شعبية متزايدة بسبب مساعدة اليونان حيث أظهر استطلاع جديد للرأي العام أن ربع الالمان فقط يعتقدون أن اليونان يجب أن تبقي في منطقة اليورو أو تحصل علي مزيد من المساعدات من دول أخري. أما خارج ألمانيا فقد بدأ اليأس علي مايبدو يدب في نفوس العديد من مسئولي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي إزاء الوضع المالي الراهن للدولة اليونانية.. إنهم هؤلاء المسئولين الذين كتبوا لصالح أثينا طوعا أو كرها شيكات إنقاذ بمبالغ طائلة تصل قيمتها إلي مائة وأربعين مليار يورو. فقد كشف مسئولون أوروبيون عن أن أثينا بعيدة تماما عن المسار الاقتصادي السليم, كما كشف مصرف سيتي بنك الأمريكي أن احتمال خروج اليونان من مجموعة اليورو قفز إلي تسعين في المائة. أكثر من ذلك فقد طالب أحد نواب البرلمان الألماني بأن تعمد أثينا من الآن لدفع نصف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين بالدراقمة كخطوة مبدئية علي طريق خروجها من نادي اليورو. كما حذرت السويد من ان اليونان ستعلن علي الأرجح إفلاسها. سيناريو جهنمي فماذا لو وقع ماوصفه البنك المركزي اليوناني بسيناريو جهنم في دراما أزمة الديون السيادية اليونانية ألا وهو إفلاس اثينا ومن ثم انسحابها كرها من نادي اليورو بعد أن يتخلي عنها الجميع. الجواب أن اليونان ستعمد علي الأرجح إلي العودة إلي عملتها القديمة... الدراخمة ولكن في ثوب جديد.. دراخمة ستكون علي مايبدو محدودة المصداقية, لتشهد الدولة علي الأرجح أشرس موجة غلاء ربما في تاريخها الحديث جراء انهيار تجارتها الخارجية وعجزها عن تدبير المال اللازم لشراء السلع الأساسية ويعني هذا السنياريو حسب محللين استطلعت وكالة رويتر آراءهم احتمال اندلاع فوضي اقتصادية واجتماعية عارمة قد تجعل اليونان تتحول إلي مايشبه بدولة فاشلة تترعرع في تربتها التيارات السياسية المتطرفة التي من المرجح أن يغذيها فقر وصل معدل من يعيشون تحت خطه القاسي الآن إلي ثلاثين في المائة. طريقة عشوائية وتقول وكالة رويتر في تقرير لها إنه سواء نجا اليورو أو انهار فان أوروبا خسرت سمعتها ومصداقيتها الدولية حتي إشعار آخر جراء عجزها في مواجهة أزمة الديون السيادية التي تعصف بها. فقد تؤدي الطريقة العشوائية التي تتعامل بها أوروبا مع الأزمة إلي تقويض النفوذ السياسي للمنطقة لسنوات عدة مقبلة وتكسبها نقطة ضعف خطيرة في عالم سريع التغير. فعن طريق سلسلة تبدو بلا نهاية من اجتماعات القمة والمكالمات الهاتفية في اللحظات الأخيرة, تمكن بالكاد زعماء أوروبا ووزراء ماليتها من الإبقاء علي تكتل العملة الأوروبية الموحدة قائما في مواجهة توترات متزايدة بين الدول, وتداعيات سياسية متفاقمة, وقلق في أسواق المال العالمية. لكن البعض خارج الاتحاد يقول إن كل إجراء من هذه الإجراءات يأتي ضعيفا للغاية ومتأخرا للغاية. ويشكو المسئولون الأمريكيون علي وجه الخصوص من أن الزعماء الأوروبيين إما فشلوا في فهم حجم المشكلة أو أنهم غير مستعدين لقبول القرارات السياسية الصعبة الضرورية لإصلاح الأوضاع. ويقول هؤلاء المسئولون إنه نتيحة لذلك فإن ماكان من المفترض أن يكون أحد أكثر أنحاء العالم استقرارا أصبح أكثرها اضطرابا. الوحدة السياسية ومن ناحية, فقد تكون منطقة اليورو في طريقها لمزيد من الوحدة السياسية والمالية لتصبح أشبه بدولة واحدة كبيرة في اتحاد تام تقريبا لكنها علي الجانب الآخر قد تنهار وتتفكك مخلفة دولا متنافسة غير مستقرة. وتقول فيونا هيل المسئولة السابقة في مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي والمديرة الحالية لبرنامج أوروبا في معهد بروكينجز في واشنطن: في كل حوار لي تقريبا خلال العام الماضي مع الصينيين أو الهنود ومع الجميع كنت دائما أتلقي نفس الرسالة.. لم يعد بالامكان الوثوق في أوروبا يبدو أنها تتحول من مصدر للاستقرار إلي مصدر لعدم الاستقرار. وقالت إن كل الثوابت القديمة أصبحت موضع شك حتي بريطانيا التي ليست عضوا في منطقة اليورو بدا فجأة أنها تواجه خطر التفكك حيث من المقرر أن تجري اسكتلندا استفتاء علي الاستقلال يقول خبراء إنه لا يمكن التنبؤ بنتيجته. ويقول البعض إن من المبكر جدا شطب أوروبا أو مؤسسات الاتحاد الأوروبي كلية وتحت قيادة كاترين أشتون مسئولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي يرجع البعض الفضل لأوروبا في تحقيق تقدم حقيقي في المحادثات مع إيران والقوي الأخري بشأن مستقبل برنامج طهران النووي المثير للخلاف لكن قدرتهم علي فعل أي شيء يتجاوز مشاكلهم المباشرة تعتبر محدودة إلي حد كبير وقال ايان بريمر رئيس مجموعة يوراشيا الاستشارية: الأوروبيون غارقون تماما في معركة انقاذ منطقة اليورو. وتابع قائلا: إنها أزمة عميقة ومستمرة وأكبر من أي شيء مرورا به في عقود.. إنها بيئة ليس من الممكن فيها أن نتوقع أن تكون للزعماء الأوروبيين أولوية أخري. تهميش أوروبا وقد يؤدي ذلك لتهميش القارة الأوروبية بشكل متزايد مع بزوغ نجم القوي الناشئة ليس فقط دول بريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا, لكن دولا أخري أيضا مثل تركيا وإندونيسيا. وفي نهاية المطاف قد يقوض ذلك قدرة زعماء القارة علي إقناع بقية العالم بأن يأخذوهم علي محمل الجد في مجموعة من الموضوعات من التجارة إلي أهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن بالنسبة لبقية العالم ليست القارة نفسها فحسب هي التي يخبو بريقها سريعا, فلم يعد النموذج السياسي الأوروبي برمته نظام الرعاية الاجتماعية السخي والديمقراطية في اتخاذ القرار والتكامل الاقليمي الوثيق وفكرة اتحاد العملة كعنصر استقرار جذابا للمناطق الأخري التي مازالت تنمو. وقال براهما شيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز البحوث السياسية بنيودلهي: أوروبا عند مفترق طرق ومستقبل الاتحاد الأوروبي نفسه علي المحك. وتابع قائلا: لو انهار اليورو فستكون نهاية التجربة الأوروبية في تحقيق تكامل سياسي ومالي قوي لكن سيكون لذلك أيضا تداعيات دولية أوسع. الدولار واليورو لكل آخرين يعتقدون أن انهيار أوروبا سيكون مؤشرا علي ماسيحدث للولايات المتحدة أيضا. ويقول بهارات كارناد زميل شيلاني في مركز البحوث السياسية إنه أيا كان ما سيحدث فإن قوي مثل الصين في صعود وسيواجه الغرب تحديات متزايدة بغض النظر عن مصير اليورو. وقال: سلامة اليورو أو الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن سيكون لها تأثير ضعيف علي الذهب وميزان القوة الذي يميل علي أي حال باتجاه آسيا وبخاصة الصين. وتأخذ واشنطن احتمال انهيار أوروبا علي محمل الجد فعلي المدي القصير من الواضح أن ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قلقة بشأن تداعيات ذلك علي الانتخابات في حالة انتقال الأزمة الأوروبية عبر الأطلسي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل. أكثرا فقرا لكن علي المدي البعيد سواء نجا اليورو ألا فإن المخططين الأمريكيين بدأوا يستوعبون حقيقة أنه من المرجح أن تصبح القارة أفقر وأكثر تركيزا علي الداخل مما كانت تأمل واشنطن. وعززت الصين استثماراتها في أوروبا في السنوات القليلة الماضية بما في ذلك في مشروعات موانيء في اليونان وإيطاليا ويري بعض المحللين السياسيين أن نقاط الضعف والأسباب وراء أزمة منطقة اليورو أوسع نطاقا بكثير ويمكن ملاحظتها في معظم الاقتصاديات الغربية بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي نفسه.