كمن يستجير من الرمضاء بالنار أصبح هذا هو حال ابناء قري الدقهلية التي اصبحت عاجزة عن تحمل ابنائها, حيث اصبح العمل بالزراعة غير مجد ولا يستطيع اي من شباب القرية ان يتزوج او ينفق علي اسرته من نتاج العمل الزراعي ولأن الفقر والفساد والبطالة احتلت مصر منذ سنوات طويلة, توالت موجات الهجرة, هذه القري جميعها دفعت شبابها وفلذات أكبادها إلي البحر أملا في الهروب من ذل الفقر في مصر إلي جنة الغني في أوروبا وبلاد الدولار. ويواجه هؤلاء الشباب أحد المصيرين إما الموت في البحر المتوسط او الحبس بعد القاء القبض عليه في بلاد أوروبا ليتم ترحيله الي مصر ويعود لاهله يجر اذيال الخيبة ولكن علي نحو آخر يبرق الامل بعد أن وصل البعض بالفعل الي اليونان وايطاليا وفرنسا ليعودوا محملين بالعملة الصعبة ويتلقي ذووهم الاموال ليقوموا ببناء القصور المشيدة بقراهم. وبدأت الهجرة السرية بقرية نوسا الغيط التابعة لمركز أجا, وكانت وجهتهم إلي فرنسا و شباب قرية ميت الكرما الذين فضلوا السفر إلي إيطاليا, وتوالت الهجرة بقري الدقهلية, خاصة قري ميت ناجي ودنديط والمعصرة التابعة لمركز ميت غمر وقري ميت خميس وويش الحجر وقرية بدين وتلبانة التابعة لمركز المنصورة وبساط كريم الدين التابعة لمركز شربين وكفور العرب وكفر دميرة القديم بمركز طلخا بمحافظة الدقهلية. وكل هذه القري فقدت المئات من شبابها بسبب الهجرة إلي بلاد المجهول.. فقرية ميت ناجي التابعة لمركز ميت غمر فقدت اكثر من36 شابا خاضوا تجربة الهجرة غير الشرعية. ويقول محمد علي(35 عاما من أهالي قرية ميت الكرما) ان معظم شباب القرية قد هاجروا الي إيطاليا وأصبحوا تكتلا قويا, لدرجة تسمية قريتنا بايطاليا الصغري, وانا متزوج وللاسف كنت موظفا مؤقتا ولا أمتلك أرضا ولا عقارا, وعندما أردت السفر قمت ببيع مصوغات زوجتي وكتبت علي نفسي إيصالات أمانة بالباقي وكان أملي أن اصل إلي إيطاليا واجد عملا واسدد الدين ولكن تم ترحيلي ولكنني سأعيد الكرة مرة اخري بعد ان اسدد ديوني. ويضيف الدكتور زيدان شهاب الدين( من قرية ميت زنقر التابعة لمركز طلخا) ان هناك كثيرا من ابناء القرية ممن اسعدهم الحظ وسافروا الي اليونان. مما ادي الي ظهور السماسرة وكل ما يحدث فهو نتيجة للسياسات الخاطئة التي اتبعها النظام البائد التي أدت في النهاية إلي طابور طويل من البطالة, واري ان هؤلاء السماسرة يتاجرون بمعاناة الشباب.ويقوم السماسرة بتنظيم رحلات السفر والعمل. ويؤكد هاني الهلالي( من قرية دنديط بمركز ميت غمر) ان سماسرة السفر لإيطاليا يطالبون نظيرسفر الفرد الواحد60 ألف جنيه, بشرط أن يدفع من يريد10 آلاف جنيه كمقدم وأن يكتب إيصالات أمانة علي بياض ضمانا لسداد باقي المبلغ. ويروي والد احد الضحايا قصة الهجرة السرية لابنه و عن ضياع الحلم بغرق أبنائهم أو عودتهم في نعوش أو في عداد المفقودين فيقول طلبة محمد- والد أحد الشباب الذين فقدوا حياتهم غرقا أثناء الهروب من مصر: محمد ابني حاصل علي دبلوم زراعي, وكان الابن الوحيد علي4 بنات وفي نوفمبر2004 حاول الهجرة عبر البحر إلي إيطاليا ولكنه عاد في نعش من السواحل الشمالية الإيطالية بعد انتشال جثته مع4 آخرين في27 أكتوبر. ويضيف: محمد تعرض لعذاب لا يتحمله بشر قبل غرقه بدءا من احتجازه داخل مخزن بمنطقة رشيد بالإسكندرية, حيث تم تجريدهم من كل شيء يحملونه ثم بدأوا التفاوض والضغط علي أهالي المحتجزين باتصالات تليفونية بالأسرة بدفع10 آلاف جنيه لشخص معين, مؤكدين أن أبناءهم موجودون في عرض البحر متجهين لإيطاليا وإلا سوف يرمونهم في البحر ليموتوا غرقا ليستدان من الجيران والأقارب وليصبح خراب البيت بضياع سندي علي إعالة الأسرة, علاوة علي الدين الذي لابد من تسديده.