الشاعر اشرف قاسم يتبوأ مكانة خاصة في الشعر الحديث عن امتداد ساحة الابداع العربي.. وهذا هو ديوانه الثالث( هذا مقام الصابرين) حيث تنقسم القصائد بين شعر التفعيلة, والشعر العمودي. وكلاهما يحملان قسمات وسمات وملامح اشرف قاسم, فالعمل الادبي يدل علي صاحبه, والرجل هو الاسلوب, وقد سعدت بلقائه عدة مرات في محافل الادب ومنتدياته. مقام الصبر نزعة صوفية ايمانية ترقي لدرجات الرضا واليقين, وقد ارتبط باخلاق وصفات الرسل والانبياء واولو العزم, حيث يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب وللصوفيين مقامات اخري ليس هناك مجال سردها, ورغم الثواب العظيم لفضيلة الصبر إلا انه في حالات اخري حينما يفيض الكيل ويعربد الظلم في الطرقات وتعم الفوضي والمفاسد فاي صبر وأي احتمال؟! هنا تتنامي دعوات الانتفاضة وتحطيم القيود. كلنا نبغي انفلاتا من إسار الخوف والاحباط يسمع صوتنا الأمل البعيد هذه قيودك اعلنت عصيانها ارتجفت اناملك استثيرت فانتفض انها الدعوة الخالدة للحرية والانعتاق من الأسر, وهذه القصيدة التي سجلها الشاعر في اكتوبر2009 كانت ارهاصا وبشارة للشباب المصري الذي فجر ثورة يناير2011 في ختام القصيد يعلن: هذا مقام الصابرين فهز جذع النخلة العجفاء ايقظ قلبها واسق العروق من الدموع لعلها يوما تساقط فوق رأسك ذلك الرطب الجني فتعلن البعث الجديد ويفتح الباب الوصيد؟! وبقية القصائد تومي في اشارات بالغة الدلالة وتفصح عن انتماء الشاعر لقضايا الانسان المعاصر, وحقه في الحياة الكريمة ولقمة العيش المغموسة بالكبرياء. تحت سماء العروبة غابت الافراح عن سرادقات العروبة وقتا طويلا وشاعت مصطلحات الانكسار والنكسة والتراجع, واثخنت الجسد العربي بجراح عديدة في فلسطين والعراق.. اذ يناجي غزة رمز الصمود والعزة في مواجهة غير متكافئة مع ذئاب العصر الحديث من خلال برقيات عاجلة ملؤها الاعجاب والفخر لمدينة عربية صارت مثالا للاباء والتحدي برغم وقوفها وحيدة في مهب الرياح العاصفة: احييكم بكل الخزي اوصيكم بالا تنحنوا للريح حتي لو لسان الأمة الجوفاء سيف الجبن قد جزه ومن قصيدة رسالة إلي السياب يستدعي الشاعر شخوصا ترمز للحق السليب والمقاومة والرفض, يشير في ثناياها لقصيدة بدر شاكر السياب, انشودة المطر حيث يتناص مع مقطع يتكرر كثيرا ما مر عام والعراق وليس فيه جوع مضي اكثر من نصف قرن علي قصيدة السياب شاعر الرافدين وتطورات الأوضاع وتبدلت الاحوال وتواترات الحوادث, واستبدل اشرف قاسم كلمة الجوع بالموت قائلا في نهاية قصيدته. كجثة ينام جرحنا الكبير دون اي صوت الآن ياسياب هل يصح ان نقول ما مر عام والعراق ليس فيه موت؟! شريعة الحب قليلون هؤلاء الشعراء الذين ينسجون قصائدهم بلسان المرأة وعاطفتها المتوهجة وانوثتها المثيرة, في مقدمتهم ايليا ابو ماضي والاخطل الصغير ونزار قباني وجورج جرداق وصالح جودت, ينضم إلي هذه الكوكبة اشرف قاسم برومانسية حالمة في قصيدتين بلسان الانثي الأولي بعنوان رسالة من سوسنة تحترق. هانت عليك مودتي وقد استبحت حدائقي يا ايها الرجل الذي ووهبته عمرا خصيبا ماذا فعلت لكي تصير === وكرهتني؟ ماذا جري؟ وسرقت مني الجوهرا ملكته كل الذري يانعا.. مخضوضرا علي فراشي خنجرا؟ اما القصيد الثانية علي ضفاف النرجس فيقول فيها بلسان امرأة موجوعة بغدر الرجل وجموحة وسطوته: لقي لي بربك هل غدوت تملني او ما شعرت النار بين جوانحي خفقي نزيف دائم في اضلعي === وتمل اهات الاسي المجنون؟ وشعرت رعشة لهفتي وحنيني؟ قل لي ايخضر المدار بدوني؟ ويثوب الشاعر إلي ذاته ويعود بصوته الذكوري يناغي امراته الاثيرة في نقوش علي كف سيدة من اجلك يا أحلي امراة واقول احبك ياقمري يافرحا هل علي قلبي وربيعا طل بضحكته === في العمر سأعزف الحاني يانورا يسكن اجفاني فانقشعت سحب الاحزان فاضاحك نرجس بستاني = محنة الاغتراب: عاش ملايين المصريين غرباء في وطنهم وعندما ساقهم الحظ التعس تحت وطأة نظام استبدادي اجبرهم علي قبول ممارسات ظالمة فاسدة ثار المصريون في يناير رافعين شعار عيش حرية عدالة اجتماعية, وكتبوا بدماء الشهداء صفحة جديدة في سجل المجد. وبين متاهتي وجموح حلمي علي جدران ايامي بقايا وبعض قصيدة تأبي اكتمالا ايا وطني الذي يفديه عمري == اسافر ابتغي بعض الأمان لاحلام خبت قبل الأوان وتشعل نار يأسي في بناني لماذا الآن ترضي بامتهاني؟ واخيرا ينتسب الشاعر اشرف قاسم إلي ايتاي البارود احدي مدن البحيرة, نفس المدينة التي نشأ فيها شاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي رائد التجديد في الشعر العربي.. فهل هي المصادفة التي جعلت الشاعرين ينتسبان لمدينة واحدة؟ ام ان خصوبة ارض مصر الطيبة تمنحنا المواهب الخالدة من وقت لآخر لتعرضنا عن السنوات العجاف؟! محمد أحمد برمو نادي الادب ادكو