تعاني الإصدارات الثقافية من مجلات ودوريات تصدر عن الجهات والهيئات التابعة لوزارة الثقافة أو غيرها من الكيانات المستقلة, سوء التوزيع وقلة حجم دائرة القراء, ووفقا لما يري الخبراء فإن هذا راجع لشدة تخصصها, وعدم اهتمامها بالمعرفة العامة, ورغم ذلك بدأت تعود للساحة من جديد بعض الإصدارات الثقافية التي توقف بعضها منذ40 عاما, ومنها المجلة وفصول الصادرتان عن هيئة الكتاب, وفي المقابل تواجه مجلات ثقافية أخري مشاكل كبيرة منها مجلة ضاد الصادرة عن اتحاد الكتاب. وأكد عدد من الخبراء والنقاد انه يمكن أن تزيد القاعدة الجماهيرية لتلك الإصدارات بالإدارة التي تمتلك رؤية جيدة ومن خلال التوزيع. الناقد أسامة عفيفي رئيس تحرير المجلة قال: إن المشكلة كلها تكمن في كيفية الخروج من دائرة النخبة لدائرة القارئ, فمثلا مجلة المجلة التي صدرت عام57 كانت موجهة للقارئ العام وهذا اتضح في المقولة الخالدة لرئيس تحريرها الأول د. محمد عوض المجلة موجهة للقارئ العام أما المثقف فيعرف أين يجد بغيته. وأضاف عفيفي ان المجلات الثقافية نوعان الأول هو إصدار لامع للاستعراض فقط ويصدر بشكل شهري عن كيان أو جهة تريد أن تؤكد أنها معنية بالثقافة وتضم مجموعة من المقالات لشخصيات معروفة, والنوع الثاني هو الإصدارات الجادة لكنها شديدة التخصص ولا تهتم بالقارئ العادي, والمثقفون يكتبوها ويقرأوها, لذا يجب أن نصدر مطبوعات في شكل جميل يجذب القارئ العام ولا يشترط أن تكون فاخرة, فالمشكلة أن أغلب من يعملون في تلك المجلات لا يعلمون شيئا عن فنون العمل الصحفي, من حوار واستطلاع الرأي والمقالات التي يعبر فيها أصحابها عن رأيهم الشخصي, وفي كل هذا لا تقدم المجلة معلومة ولكنها تقدم اراء. وأوضح عفيفي أننا في زمن المعلومات فيجب أن يكون الإصدار علي مستوي العصر, فالقارئ يحتاج للمعلومة وليس للرأي, كما يجب أن تتوافر في المجلة ثلاثة أركان الأول المعرف وذلك بمتابعة الثقافة والمعرفة علي مستوي العالم كله من خلال مساحة لا يتابعها الأخرون, ثانيا اتباع المنهج العقلاني والتأسيس له,, واخيرا مبدأ التجاور من أجل التحاور. وقال الناقد والكاتب محمود الورداني: إن تجربة إصدار مجلات ثقافية عن وزارة الثقافة تحتاج إلي إعادة نظر, خاصة التي يتم التفكير في إعادة إصدارها, فعلي الوزارة أن تتخلي عن إصدار المجلات, لأن هذا ليس دورها في الوقت الحالي, لكنها مهمة هيئات وجماعات مستقلة. ولفت الورداني إلي ضرورة النظر للثقافة بشكلها الاوسع واستيعاب الفنون الحديثة والمعاصرة المختلفة, لأن معظم تلك المجلات لا تقرأ ولا يلتفت إليها حتي من المثقفين أنفسهم. وقال الناقد د. هيثم الحاج ان المجلات الثقافية تتنوع ما بين ثلاث دوائر الاولي هي الثقافة الجامعة التي تتناول مواضيع عن كل الفنون من سينما وأدب ومسرح وغيرها من الفنون بشكل جاد, والنوع الثاني هو الذي يهتم بالشكل الأدبي كمحور رئيسي من عملها فيكون قارئها مهتما بالناحية الأدبية والعلوم الإنسانية والفنون, والنوع الأخير هو المتخصص أو الأكاديمي لكنه لا يمكن ان تزيد دائرة قرائه إلا بزيادة عدد المتخصصين. وأضاف هيثم ان الازمة التي تتعرض لها المجلات الثقافية يمكن حلها بالجمع بين النوعين الاول والثاني, فيتناول الإصدار الأدب باشكاله وباقي الفنون ولكن بشكل يجذب القارئ, كما ان مشكلة التوزيع من أبرز المشاكل التي تواجه هذه المجلات لانه لايتم توزيعها إلا عند باعة الجرائد, والقارئ الذي يذهب لشراء الجرائد هو قارئ يهتم بالثقافة العامة ولا ينظر سوي للعدد الجذاب, لذا علي وزارة الثقافة أن تعيد هيكلة إدارات التوزيع بهيئة قصور الثقافة, وصندوق التنمية الثقافية, بحيث يتوافر منفذ لبيعها في كل محافظة, ويجب التركيز علي التوزيع ذلك لان المحافظات بها كتل شرائية كبيرة, كما علي الوزارة أن تدعم تلك المجلات الجادة الصادرة عن هيئات مثل اتحاد الكتاب ونادي القصة وتتكفل بتوزيعها, لانه يتم إصدار منتج دون العمل علي توصيله للمتلقي أو توسيع دائرة اهتماماته. وأوضح الشاعر فارس خضر عضو اتحاد الكتاب الذي تواجه المجلة الصادرة عنه ضاد مشكلة في الصدور والتوزيع وأن أهم مشكلة واجهت المجلة هي الإدارة لأن المسئول عنها هو رئيس الاتحاد محمد سلماوي الذي ينفرد بادارتها وهيئة المكتب ولا يعرف عنها باقي الأعضاء أي شيء, وفي رأيي أن اتحاد الكتاب وغيره من جهات غير معنية باصدار مطبوعات, فمهمتها هي مراعاة حقوق اعضائها وخدمتهم, لكن المجلة تتكلف160 الف جنيه من اموال الاتحاد ولا تقرأ ولا توزع, فهذا شبه إهدار للمال العام فاتحاد الكتاب مثل أي كيان نقابي يخدم أعضاءه, يمكن أن يصدر نشرة فقط, لذا لابد من إعادة صياغة لدور الاتحاد الذي يدار بمعرفة فرد ونحن عناصر شرفية من خلال ادارة مؤسسية, لكن المجلات الثقافية التي تهتم بالإبداع والمعرفة تقوم بدور عظيم من خلال إدارة ناجحة تجعل الجمهور ينتظر صدورها, وتحقق وجودا جيدا في الوسط الثقافي والأدبي. ومن جانبه قال د. أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب التي تصدر عددا من المجلات المتخصصة ثقافيا ان يبدأ العمل علي إصدار منتج جيد من اختيار رئيس تحرير لديه رؤية ثقافية, ولديه مشروع يريد ان ينفذه بطريقة ناجحة, ويتضح هذا في الوقت الذي اتخذته بعض المجلات لإصدار العدد الاول مما يؤكد ان هناك دراية بالمسئولية واهمية الإصدار الذي لعب دورا كبيرا في الوسط الثقافي المصري والعربي, فمصر بها العديد من الباحثين والكتاب المتميزين لكنهم يحتاجون لمن لديه القدرة علي جمعهم من خلال تصور متميز.