في مثل هذا اليوم من كل عام.. يكون لي لقاء رائع مع التاريخ.. أنتظره بفارغ الصبر.. وأستعد له وجدانيا لأهمية اللقاء وغرابته.. لأنه يتم في لحظة تاريخية تحدث مرة واحدة كل عام.. وهي لحظة لقاء عقارب الساعة لتعلن عند الثانية عشرة.. رحيل عام.. وبداية عام جديد.. هذه اللحظة التي يلتقي فيها زمنان.. زمن يمضي.. وزمن يجيء.. لعام يمضي.. وعام يأتي.. عند هذه اللحظة ينشق الزمن.. فهي لحظة حرة زمنيا.. فلا أحد يعرف لأي زمن تتبع.. هل هي تتبع الزمن الذي يمضي أم الزمن الذي يأتي؟ ومن خلال حرية لحظة الزمن هذه أنطلق أنا.. إلي رحلتي إلي عمق الزمن.. وعلي يساري ويميني جدار الزمن(2011) الذي يمضي.. وجدار الزمن الذي يأتي(2012) حتي أصل في النهاية إلي حيث يجلس التاريخ الذي ألقاه كل عام. وكان التاريخ.. كما ذكرت في رحلاتي السابقة شكل.. ورحلاتي الحديثة شكل آخر.. كان زمان للتاريخ شكل كلاسيكي.. كما كنا نتصوره.. وعرفناه به.. شيخ كبير بشعره الأبيض الكثيف.. ولحية بيضاء طويلة.. ورداء أبيض وعباءة بيضاء.. وأمامه مجلد كبير مفتوح علي حامل من خشب البخور.. وفي يده ريشة من طائر الطاووس.. وأمامه المبخرة القديمة. تغير شكل التاريخ مع تغير الزمن.. وأصبح شابا ناشطا أمامه كل وسائل التكنولوجيا الحديثة الخاصة بوسائل التسجيل علي شرائط وسيديهات.. وكان أول لقاء به في شكله الحديث.. وهي منذ سنوات مضت.. وكان كل عام يزداد عمرا.. ويشيب شعره.. وكان يجيب علي سؤالي عن تغير سنه بقوله: إن التاريخ ياصديقي يتأثر أيضا بالأحداث التي يسجلها.. والزمن الذي يمر به.. ولكن تسجيله للأحداث يبقي دائما نقيا ناصع الصدق.. فالتاريخ لا يكذب أبدا!!. وصاح عندما شاهدني.. أهلا بصديقي الوحيد الذي أنتظره كل عام.. لأنه الوحيد الذي يعرف سر الطريق للوصول إلي.. ولم ينقله إلي أحد.. ورحبت بصديقي التاريخ الذي بدأ يضيء الشاشات التي تملأ حائطي الزمن الذي مضي بكل أحداثه.. والشاشة البيضاء التي ستبدأ من اليوم تسجيل أحداث العام الجديد!! وبدأت رحلتي مع أحداث العام الماضي.. من خلال صور سريعة لكل الأحداث التي وقعت علي أرض مصر والعالم.. ثورة يناير.. بشبابها.. وشعبها.. وشهدائها.. ومطالبها.. والتيارات المختلفة.. والإصرار علي استمرار الثورة.. وثورات الربيع العربي.. تمر أمامي بكل أحداثها بسرعة زمنية تحدث فقط من أجهزة التاريخ.. وبها أدق التفاصيل ومسجلة بكل الحياد.. فالتاريخ يسجل لتكون الوقائع الحقيقية التي يسجلها مرجعا أساسيا للتغييرات الاجتماعية.. والسياسية.. والأنظمة الجديدة المتغيرة لتحقيق آمال الشعوب.. وهذه الوقائع التي سجلها التاريخ بكل دقة وأمانة وثقة.. وأجراس تدق باستمرار لتعلن عن استمرارية الثورات بأحداثها المتلاحقة التي أصبحت نموذجا لثورات شعوب العالم.. وصور لهذا الكم المتدافق من غضب الطبيعة.. غضب الأرض بالزلازل.. وغضب البحر بأمواجه العاتية.. والعواصف المدمرة.. وأدت إلي خسائر فادحة.. وأصابت اليورو بالانهيار.. والدولار بخسائر أمريكية تقدر ب15 تريليون دولار.. وثورات العالم العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.. وسوريا بأحداثها.. والسودان وانقسامه إلي دولتين.. والإضرابات العالمية في أمريكا.. وبريطانيا.. واليونان.. وروسيا.. صور متلاحقة بأحداثها لثورات العالم.. ومطالبتها بالتغيير.. وميدان التحرير الذي أصبح مزارا للثورات العالمية.. وصور للأحداث المؤثرة بشكل غير لائق بثورة التغيير المصرية التي أذهلت العالم.. ومحاولات التغلب عليها.. وعلي الأزمة الاقتصادية.. ومطالبة الشعب والثوار بضرورة العمل للإنقاذ من الأزمة الاقتصادية. والسينما المصرية.. وما يحدث لها من هبوط إيرادات.. وتوثيق تسجيلي لأحداث ثورتها.. وارتباكها.. وأزمة هجرة الجمهور من دور العرض.. في انتظار الأمن والأمان.. وصور للمحاولات الجادة لفرض حالات الأمن والأمان.. كمطلب مهم لشعب مصر وثورتها.. شريط طويل سجلها التاريخ.. ويعرض أمامي.. وأنا أتابع بشدة كل صغيرة وكبيرة.. خصوصا لأنني كنت مشاركا مع هذه الأحداث بكل كياني.. ووجودي.. وفجأة نظرت إلي ساعتي.. وصدمت.. فقد مضي علي وجودي أكثر من ساعة.. ولاحظ التاريخ الجالس بجواري بهدوء.. وقال لي: يا صديقي لا تخف فأنت هنا تعيش في زمن غير الزمن الذي تعيش فيه علي أرضكم.. أنت تعيش هنا في زمن آخر.. زمن الفيمتوثانية.. الذي اكتشفه ابن مصر د. زويل نوبل.. فلا تخف من أن تنغلق عليك جدران الزمن.. وتحبس هنا معي.. إليك اسطوانة كل عامCD بشكلها الذي يتجدد كل عام.. ومعها هذا الدبوس الذي تضعه أمامها عند تشغيلها لمشاهدة باقي أحداث التاريخ البلاد علي الأرض وتفاصيلها.. لتكتب عنها كما عودتنا في صفحاتك كل أسبوع.. وإلي لقاء.. وليس وداعا.. لأنك الصديق الوحيد.. الذي أنتظر زيارته كل عام.. والذي عرف سر انشقاق الزمن.. وسر الوصول إلي صومعة التاريخ كل عام. وشكرت التاريخ.. واندفعت إلي أعلي الزمن الذي كنت فيه ووصلت إلي أرض مصر.. واحتفلت مع دقات الساعات وهي تعد من واحد حتي موعد لقاء عقارب الساعة ليبدأ العام الجديد.. علي العالم وعلي مصر.. التي ولدت.. وأعيش.. وأموت علي أرضها.. وأحتفل مع شعبها العظيم أولي لحظات العام الجديد2012 الذي نتمني أن يحمل معه كل الأماني والأحلام المضيئة التي يريد تحقيقها شعب مصر كله لمصر الحبيبة.. أم الدنيا!! س.ع