هات لي يا بكرة صفحة جديدة.. حط لي مصر في جملة مفيدة ... مصر جنينة كل الشعراء .. ابنها شهم ودمه خفيف توجها محبوبة الفقراء ... شجرة بتطرح شعب شريف مصر شوارعها بتنادي .. علي دبة رجلين مصرية تمشي تغني بلادي بلادي ... وتصحي الكورة الأرضية هات لي يا بكره صفحة جديدة.. صدق شاعرنا أحمد أمين حداد ولمس أوتار العقل وحدد شرايين القلب وجعلني مثلي مثل كل ملايين المحروسة أطلب من كل من يهمه الأمر وحتي أولهم أنا وأنت وكل من يحب تراب هذا الوطن حط لي مصر في جملة مفيدة..! مصر التحرير التي تشتعل وتلتهب يوما بعد يوم مطالبة بحريتها وإرادتها وكرامتها وحق دماء شهدائها التي سالت علي مرأي ومسمع أبناء جيشها.. والتي لا تزال مصرة متحدية رافعة شعار.. يا بلدنا ثوري ثوري.. لا طنطاوي ولا جنزوري وقول ما تخافشي.. العسكر لازم يمشي.. وهم معاهم ضرب النار.. واحنا معانا الجبار.. ووحياة دمك يا شهيد.. ثورة ثانية من جديد. أم مصر المجلس العسكري الذي تم تفويضه من المخلوع لإدارة شئون البلاد وأمنته كل طوائف الشعب المصري علي مقدراتها رافعة شعار الجيش والشعب إيد واحدة والجيش الخط الأحمر. مصر.. العسكري الذي عين د. كمال الجنزوري رئيسا للحكومة بدلا من د. عصام شرف بعيدا عن مطالب وإرادة ورغبات هذا الشعب في اختيار أبسط حقوقه التي تتمثل في اختيار حكومة الإنقاذ الوطني التي يراها تعبر عن مطالبه المشروعة.. واختار أحد رجال الحرس القديم ومن لا يعرف فإن الجنزوري متهم في القضية رقم1 لسنة2011 بمنح أراضي توشكي للوليد بن طلال دون وجه حق, وهو رئيس الوزراء الذي بدأ عمليات بيع القطاع العام وخرج من الوزارة مخلفا وراءه عجزا في الميزان التجاري تجاوز12 مليار دولار, وهو أيضا رئيس الوزراء الذي نجح في زيادة الدين المحلي في فترة رئاسته ما بين1997 و1999 إلي200 مليار جنيه مصري والذي اتهم بسحب5 مليارات جنيه مصري لسد عجز الحكومة دون إذن رسمي وبالمخالفة للقانون.. الجنزوري رأس وزارة ضمت أعتي رموز الفساد والقمع كان علي رأسها المسجون حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق, والمتهم يوسف والي وزير الزراعة الأسبق, والمتوفي كمال الشاذلي, والمحبوس صفوت الشريف. وإذا كانت هذه هي مصر التحرير.. ومثيلتها العسكري فإن هناك مصر أخري تهرول اليوم إلي صناديق الاقتراع سواء للترشيح أو الانتخاب. مصر القوي السياسية التي سقطت في الامتحان سقوطا ذريعا تحسد عليه من خلال أحزاب مترهلة مثقلة بولائها للنظام البائد أو جديدة تبحث عن فرصة ربما لخدمة هذا الشعب أو للوصول إلي الكراسي والنفوذ والسلطة.. ومصر الإخوان والسلفيين والتيارات الإسلامية الذين كشفوا عن وجههم الحقيقي بسرعة مذهلة وفقدوا شعبيتهم بشكل ملفت للنظر خاصة بعد مليونية الجمعة التي هربوا منها سريعا. هذا هو لسان حال القابعين والرابضين والمعتصمين في ميدان التحرير من يوم19 نوفمبر وحتي مساء أمس لم تعد الهتافات هي الشغل الشاغل لهم.. بل التهب الميدان أمس بالنقاش والتحاور الذي يمتد في أحيان كثيرة للحدة وعلو الصوت ولكنه أبدا لم يتحول إلي خناقة أو معركة بل بالعكس يصل إلي حد الجلوس علي رصيف الميدان لاحتساء أكواب الشاي الكشري معلنين أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. مصر التحرير والعسكري والإخوان وبقية القوي السياسية كانت من أهم ما شغل الميدان أمس. ألقي بأذني قريبا وبعيدا قبل أن اقتحم تلك المناقشات لتصل إلي مسامعي عبارات واحدة.. قال أصحابها وهم كثيرون التيارات الإسلامية هي وجه من وجوه الحزب الوطني المنحل ليه نازلين النهارده الميدان.. علشان يقولوا إيه.. وكانوا فين طوال أسبوع الضرب والدم.. دول لا يهمهم سوي الكراسي والمصالح الشخصية.. ويقولون الثورة قامت من هنا, ولابد أن تستكمل من هنا.. ثورة الجياع قادمة لا محالة.. لازم ننزل الانتخابات علشان السلفيين والإخوان ما ياخدوهاش. وجدتها تقف ترقب ما يحدث من بعيد, تستمع إلي هذا وتلقي بأذنيها إلي ذاك.. اقتربت منها لأتحدث معها حول موقفها من انتخابات اليوم وهل ستدلي بصوتها أم ستقاطع..؟! أجابتني لبيبة النجار بهدوء شديد.. لو أن الأحزاب كلها قاطعت سأكون مع المقاطعة لأن الوضع الأمني لا يسمح, لكن لو لم تقاطع فأنا مع النزول لصناديق الاقتراع لا لشيء سوي للتصويت وللعمل ضد الإخوان والسلفيين علي حد قولها وبررت ذلك: لأننا بعدم مشاركتنا سنعطي لهم البرلمان علي طبق من ذهب وبالتالي سيكون لهم الحق في وضع الدستور وتشكيل الحكومة, وتضيف لذا سيكون تخاذلا منا والمفروض بعد موقفهم من التحرير كان كل الناس نزلت في الشوارع وعملت دعاية ضدهم لأنهم مستعدون أن يأخذوا البرلمان ولو حتي علي أجساد المصريين, لا يهمهم الثورة ولا البلد حتي برنامجهم الاقتصادي الذي يطرحونه يسير علي مبدأ لا أكذب ولكني أتجمل هم كاذبون وبرنامجهم هو برنامج الحزب الوطني المنحل وليسوا مع العدالة الاجتماعية ولا توجد لديهم أي إصلاحات واضحة في المجتمع. لفت نظري ذلك العجوز الذي يتوسط حلقة نقاشية تضم ما يقرب من50 شابا وفتاة وقد راح يتحدث عن المؤتمر الصحفي الذي خرج علينا به المشير طنطاوي ووصفه بأنه حرق دم للشعب المصري وأن كلامه يتضمن أن الجيش فوق المساءلة خاصة فيما يتعلق بميزانياته وأن وضعه سيظل في الدستور الجديد مثل القديم تحت أي حكومة وأي رئاسة ثابتا وصلاحياته ستظل كما هي. وعندما اقتحمت وقفته وسألته عما إذا كان سيذهب إلي صناديق الاقتراع أم سيقاطع؟ أجابني: وليه ما أنزلش بس لن أعطي صوتي للتيارات الإسلامية بكل أشكالها وأنواعها لأنهم انتهازيون وبينطوا علي الثورة وعاوزين يركبوها, وصدقيني لغاية يوم الخميس كنت هعطيهم صوتي لكنهم خانوا ثورة هذا الشعب وتركوا الميدان فريسة لقوات الأمن. وبعدين المجلس العسكري عاوز إيه؟! وإيه الصلاحيات اللي اداها لرئيس الحكومة اللي جايبينه علي مزاجهم ده, وانتخابات إيه إذا كان طلع علينا في التليفزيون وقال إن مش من حق مجلس الشعب إنه يشكل الحكومة. مدحت عبدالعظيم فاجأني عندما قطع الحديث قائلا: أنا من حزب الكنبة.. مانزلتش يوم25 يناير ولا يوم لغاية ما مبارك اتنحي كنت باتفرج علي الشاشات وخلاص, لكن يوم19 نوفمبر نزلت ما كانش ينفع أفضل أتفرج ولاقيت شباب زي الورد من عمري بيقع وبيغرق في دمه ولقيت الناس دي بتطالب بحقوقنا وبكرامتنا وبصراحة مافيش حاجة جديدة غير تغيير أرقام الموبايلات ده بس اللي حصل.. بس بجد أنا خايف علي البلد نفسي الناس كلها تتحد مع بعض التحرير والعباسية والكنبة علشان حال البلد ينصلح والعسكر دول لازم يعودوا لثكناتهم ويدافعوا عن حدودنا وولادنا اللي بتموتهم إسرائيل علي الحدود مش يقبضوا علي الناس اللي نزلت العلم الإسرائيلي من علي ضفاف النيل ويحاكموهم محاكمات عسكرية.. ومبارك وبطانته وشلة الحرامية تحاكمهم أمام الجنايات.. والله حرام..!! سيدة في عمر أمي شدتني من الجاكت الذي أرتديه وقالت لي بصوت هادئ عاوزة أقول حاجة.. تركت الجميع والتفت إليها قائلة قولي يا أمي.. بهدوء يسبق العاصفة.. كلكم أولادي وبحبكم وبحب تراب البلد دي, أنا ست بسيطة ربة بيت, يوم ما مبارك مشي فرحت وزغردت ووزعت شربات في شارعنا اللي في شبرا.. ولما عرفت إن المجلس الأعلي بقي هو المسئول عنا ارتحت وقلت خلاص مصر هتشوف النور.. لكن شوية بشوية قلبي اتقبض وحسيت إن فيه حاجة غلط من أول أحداث السفارة عند إسرائيل وبعدها شهداء ماسبيرو, والفتن اللي كانت بتحصل, وختمت بشهداء التحرير في يوم..19 لأ فيه حاجة غلط أنا بقولها لك ومش بفهم في السياسة لكن خذيها من قلب أم بتخاف علي البلد دي الجيش علي عينا وراسنا لكن المجلس العسكري مش هو الجيش ومش هو اللي هيحكمنا.. وصدقيني أنا قلقانه أوي من موضوع الانتخابات ده.. ربنا يسترها مع مصر يابنتي أصل مصر دي هي أمنا وأختنا وبنتنا وكل حاجة.. هي دمنا..!! الهتافات تشتعل.. والصفارات تعلن وجود شيء ما في الميدان.. وكل الحلقات النقاشية تعلن حالة الانتهاء ويجري الجميع في اتجاه الصوت الآتي من أمام الجامعة الأمريكية.. الهتاف خرق أذني الجيش والشعب إيد واحدة.. ما الذي حدث بجد.. اشتقت إلي هذا الهتاف الذي اختفي تماما من أرض الميدان منذ يوم19 نوفمبر ليتحول إلي الشعب والشعب إيد واحدة هل من جديد..؟! رفعت عيني فوجدته محمولا علي الأكتاف واقفا علي عامود إشارة محطة المترو إنه ضابط من ضباط الجيش يرتدي الميري.