هنا.. تتحدث بالعامية الفصحي, تخلع عن لسانك صياغات وأساليب الايتيكيت وتستطرد في ودولاد البلد, تبدل ألقاب استاذ, حضرتك, مدام بألقاب يابا, ياما, يا خال.. تقابل وجوها تحمل تجاعيدها تاريخ من الأساطير والحكايات, وتهزم الطيبة والبساطة ملامح القسوة التي قد تبديها لك سواطيرهم. وتجد الأحمر الدموي الصارخ علي الجلباب الابيض.. لونا للفرحة, يقفز ويتراقص أمام عينيك ويغني العيد فرحة, فتقوم بسن القلم وكادرات الكاميرا لترصد عيد الدرجة الثالثة. قصة أبطالها..جزارو المذبح و سيدات طبالي السلخانة وبائعو الأضحية بالاحياء الشعبية وناس غلابة كتير..موسيقاها قورمة التقطيع وباجور السلخ.. الاهرام المسائي تقطع تذكرة مجانية لقرائها في رحلة الي عالم اللحم الشعبي عبر السطور التالية: البداية كانت علي بوابات مذبح البساتين الشهير, والذي لم نتمكن من دخول عالمه بسبب هيستيريا التصريحات والموافقات, فلكي تمر الي عنابر الذبح عليك أن تقوم بتوقيع عشرات التصريحات وتطلب الموافقات من الطب البيطري ووزارة الصحة والتموين إلخ..,وكأن الجزارين والأضحيات سر حربي, أو كأن شيئا ما يخفي علينا بالداخل. ضربوا الأعور وحتي خارج بوابات المذبح, كانت نظرات مشرف الأمن للجزارين_ الذين حاولنا الحديث معهم_كافية لكي يرفضوا رفضا تاما أن يفتحوا لنا بوابات هذا العالم, وأمام إصرارنا علي رفض تلك الهزيمة التي سيمنينا بها مشرف الأمن استطعنا أن نلتقط طرف الخيط من أحد الجزارين والذي بدا عليه الامتعاض إثر يوم سيئ في العمل ليقول لنا ولسان حاله يقول ضربوا الاعور علي عينه.. يا اساتذة الحواديت كلها بره المذبح.. بالتحديد في السلخانة بحي السيدة زينب!! واستطرد.. هناك ستجدون كل ما تشتهيه أقلامكم, وأضاف مبتسما ده انتوا مش هاتلاحقوا! السلخانة وما أن تدخل الي شارع السلخانة حتي يستقبلك صوت المطرب الشعبي عبده الاسكندراني وهو يقول مش كل من راح المدارس اتعلم ولا كل من قال أنا جزار بقي معلم, ويقطع وصلة الموال صوت اصحاب الd.j وهم يقومون باختراع الدعاية الشعبية التي تتلخص في سماعات صغيرة أمام شادر اللحم أو طبالي الممبار والتي ينادون من خلالها علي الزبائن ويعرضون الأسعار.. وربما لا مانع من بعض النكات والدعابة واستعراض مهارات التحكم في السواطير مع بقية الباعة عبر الميكروفون... ليأتي الرد من الجزارين بابتسامة تليها ضحكات رنانة ويدخل الجميع في ضجيج من الدعاية المضادة.. ومع صدق قول مرشدنا الي السلخانة بأننا مش هانلاحق كان لابد وأن نطلق العنان لأقدامنا أولا لنجمع تفاصيل صندوق دنيا اللحم الشعبي قبل نتحدث إلي الباعة. طريق ضيق يعج بالبشر وطبالي عرض اللحم المختلفة التي يقف خلفها شباب وعجائز.. نساء ورجال وشباب وبنات, الكل يرتدي في قدميه كوزلوك الجزارة ويمسك بيديه المسن والسلاح وينهمك في تحضير البضاعة للبيع في مهارة وخفة وسرعة ودقة جراح. حتي الأطفال هنا بدوا وكأنهم معلمين جزارة فبعضهم يقطع اللحم في مهارة, والأخر يشفي الرأس وثالث يقف علي طبلية بيع ليقطع الكوارع بسلاح يفوق طول جسده مرة ونصف ولسان حاله يقول لنا السلاح شاطر..بس انا اشطر. شواية شعبي جولة سريعة داخل السلخانة كانت كفيلة بأن تؤكد لنا أن كلمة شعبي هنا ليست وصفا للحوم فقط, بل كل ما يخص عيد الأضحي من طقوس وعدد وعتاد. فعلي جانبي الطريق تتراص صفوف الشوايات البلدي المصنوعة يدويا والتي تستخدم في شوي اللحم علي الفحم بالمنازل, أسعارها في متناول الجميع كما يقول حمدي_أحد باعة الشوايات_ والذي استطرد يوم ما تتمعظم الشواية تكون بخمسة وعشرين جنيها, واستكمل..نحن نصنع الشوايات للغلابة الذي لا يصطحبون شواياتهم الي شرم ومارينا ويكتفون بسطوح البيت الذي يسكنه أغلبهم, ولكن الفرحة بالنسبة لهم ليست كمية اللحم أو مكان أو عدة الشوي بل هي لمة العيلة, أما بتوع شرم فشواياتهم تصل الي500 جنيه يعني سعر15 كيلو لحمة من بتاعة الغلابة. مقدم شقة ولم يختلف الأمر كثيرا في قورمة التقطيع الخشبية التي تشبه طبلية الطعام الشعبية والتي بدأت أسعارها من30 جنيها وتستخدم في تقطيع لحم الاضحية وذلك في حالة الذبح بالمنزل, والتي استخدمها حمدي في وصف حالة البيع والشراء هذا العام قائلا زي ما حضراتكم شايفين, القورم كلها زي ماهي لم يبع منها إلا القليل وهذا لأن الناس الغلابة في هذا العيد فضلوا شراء اللحم جاهز من السلخانة بدلا من شراء خروف قايم_ أضحية حية_ التي تجاوز ثمنها مقدم شقة في حي شعبي. الحاجة خطوات قليلة بالقرب من حمدي جعلتنا نصطدم بهذا الوجه المغطي بتجاعيد الشقا.. أم محمد أو الحاجة كما يلقبونها في السلخانة والتي تجلس أمام بعض الطبالي التي يعمل عليها أبناؤها وتراقب في هدوء وحكمة ما يحدث, تأمر بعينيها وتحرك السوق وتقلبه رأسا علي عقب بإشارة من أصبعها, تتحدث قليلا وتبتسم في وجه الكاميرا وتبادر بالحديث قائلة كل سنة وانتم طيبون يا بتوع الصحافة والمشاكل. فما كان منا إلا أن نرد الابتسامة ونتساءل عن سر هذا اللقب الذي أعطته لنا لتقول سنويا يأتينا صحفيون ويقولون أننا نتسبب في مشاكل ونلوث البيئة رغم أننا ندفع الكثير يوميا لسيارات نقل نتفق معها لترفع القمامة والمخلفات, و من يكتبون ذلك لا يعرفون قيمتنا الحقيقية فلولانا لكان أكل اللحم حلم مستحيل علي الغلابة.. تقدر تقول إننا زي الراجل اللي بيلبس احمر في رأس السنة ويجيب هدايا للناس بس إحنا بتوع الغلابة. وعن السلخانة تقول الحاجة أن بعض من يعملون هنا فاتحين بيوتهم من ارباح موسم العيد فهم بلا عمل طوال العام وأغلبهم يسكنون في مناطق فقيرة ويمثل لهم العيد طوق نجاة من الفقر, وتضيف البعض قد يقول أن فقرهم وبطالتهم قد تكون سببا أو عذرا لهم إذا رفعوا اسعار اللحم ولكن الحقيقة أن لدينا في السلخانة نظاما معروفا وعرفا سائدا وهو أن الاسعار واحدة لأن رفع الاسعار سيؤذي الجميع فقد يجعلنا نفقد الزبائن الذي يقصدون السلخانة لرخص الاسعار وقد يثير مشاكل نحن في غني عنها_ومازال الحديث علي لسان الحاجة_ سعر الممبار البقري هنا وصل الي15 جنيها للكيلو بينما يبدأ سعره في المحلات ب20 جنيها للكيلو, ورأس البتلو مثلا وصل الي35 جنيها بينما يصل في المحلات الي50 جنيها..وعن أعلي سعر في السلخانة تقول الحاجة أنه300 جنيه وهو سعر الرأس البقري. تايسون أحمد أو تايسون_ كما يلقبونه بالسلخانة_ هو أحد أبناء الحاجة الذي بدا من زيه المختلف_ تيشرت وبنطلون_ وكأنه زائر يرتدي كوزلوك الجزارة سألناه عن عمله في موسم العيد فقال.. أنا اساعد والدتي منذ أن كنت صغيرا ككل الأطفال الذين صادفتوهم هنا, ومن حينها وأنا جزار وهذه مهنتي, ورغم أنني تلقيت التعليم بعد أن أصرت والدتي علي ذلك مع جميع أخوتي إلا أنني أستمتع بالعمل هنا وأحب هذه المهنة و لا يمكنني ان امنع نفسي من الاستيقاظ في الفجر يوميا والعمل وسط جزارين السلخانة الذين أعتبرهم اخواتي. وعن حركة البيع والشراء قال الموسم واقع والزبون مقتول فالإقبال جيد ولكن كميات الشراء تتناقص فمن كان يشتري الاضحية في العام السابق فضل شراء اللحم هذا العام ومن كان يشتري5 كيلو يشتري الآن2 كيلو فقط..لأن اسعار اللحوم في سوق شعبية مثل السلخانة ارتفعت فسعر الرأس الضاني الذي يفضلهالغلابة وصل الي25 جنيه بعد أن كان بعشرين جنيها في العام الماضي. ثورة غلابة ولم يختلف الأمر كثيرا مع عبد الله سيد الشاب الذي يعمل علي طبلية كرشة وهو أحد أبناء عمومة تايسون والذي أشاح في وجهنا بالسلاح قائلا زي مانتوا شايفين يا استاذ الناس هنا أغلب من الغلب و مش كل الجزارين بهوات, وأنا ككثير من الشباب هنا أنتظر موسم العيد الذي يفتح بيتنا طوال العام, وأضاف عبد الله الموسم هذا العام أقل ربحا من العام الماضي والبعض يقول أن الأحداث السياسية والثورة هي السبب, لكن دي ثورة غلابة وحق والمفروض إنها تجيب حقوقنا.. والناس اللي كانت بتأكل فول وطعمية في ميدان التحرير طوال18 يوما كان المفترض انهم ينالون رضا اللحمة هذا العام. كبير السوق أما يوسف الطفل الصغير الذي يعمل بطبلية كوارع فيقول: انا أعمل في السوق قبل أن أدخل المدرسة وأخي كان يصطحبني هنا لأعتاد علي العمل, ويضيف يوسف_الطالب بالصف الثاني الابتدائي_ اسعار هذا العام ارتفعت عن العام الماضي وهذا الارتفاع وقع علي رأس الزبون والبائع ففي العام الماضي كان إيجار الكارو لعرض البضاعة عليه70 جنيها ووصل هذا العام الي150 جنيها أما الطبلية فكانت بخمسة جنيهات يوميا ووصلت الي15 جنيها, والبائعون والصنايعية والمساعدون مثلي هم من يتحملون الفارق لأن السوق ليه كبير بس مافيهوش صاحب محل.. وعن اسعار اللحم المعروض يقول يوسف ان الكارع الجملي وصل الي25 جنيها بالسلخانة بعد أن وصل العام الماضي إلي18 و20 جنيها فقط, وعن أول شيء يقوم به بعد انتهاء العمل في وقفة عيد الاضحي يقول يوسف..أذهب الي محل جزارة لأبيع الكوارع التي احصل عليها كعيدية لأنها تكون أكبر من العيدية النقدية التي سآخذها من صاحب الطبلية. جمعية الخروف وعن الخروف القائم وشراءه ودهاليز تجارته قابلنا عم عاطف الذي ما إن سألناه عن أضحيته هذا العيد حتي أفصح لنا عن وسيلة كثير من المصريين في الأضحية حيث يشترك عدد من المعارف أو الأقارب أو الجيران في جمعيات لشراء خروف العيد والذي ما إن تطأ قدماك واحدة من المناطق الشعبية حتي تري تجمعاتهم بجانب عدد من الماشية أو الإبل للمقتدرين ماديا أو ذوي الجمعيات الكبيرة وبجانب احد هذه التجمعات وجدنا ممن يرعاهم كريم محمد الذي قال: نبدأ في هذه التجارة من أول شهر رمضان حيث يذهب التجار للأقاليم أو الصعيد ليشتروا عدد الرءوس التي يريدونها ونحضر لها الغذاء من البرسيم والتبن والذرة والردة حيث تبدأ الرعية لهم من السابعة صباحا بوضع المياه والغذاء مشيرا إلي أن ارتفاع سعر اللحوم نظرا لارتفاع سعر العلف الذي كان يشتريه ب90 قرشا للكيلو ووصل حاليا ل2جنيه ونصف الجنيه وأضاف حتي علو البرسيم كانت المائة منه ب10 جنيهات وهذا العام وصلت30 جنيها ولذلك وصل سعر كيلو اللحم القائم إلي أكثر من30 جنيها بعد أن كان يتراوح بين10 و12 جنيها. يقضي كريم يوم العيد بشكل مختلف حيث السكينة لا تفارق يده منذ الصباح ليمر علي أهل المنطقة ممن اشتروا من خرافه ويقوم بالدبح ويقول أذبح من أول يوم عيد ثم يقل العدد تدريجيا ثاني وثالث ورابع يوم وهناك من يعطني الفراء الذي يباع للمدابغ ب10 جنيهات ولكن الغالبية تبيعه بمعرفتها فجحا أولي بلحم ثورة. فين اللحمة يا شرف وبجانبنا وقف عبدالرحمن أنور المبخراتي تفوح من يده دخان ورائحة البخور الطيبة يصرخ بصوت مرتفع أنا بكالوريوس خدمة اجتماعية منذ عام1990 صدقت كلام الحكومة إن مفيش شغل ولازم الشباب يسلكون طريق المشروعات الصغيرة والخاصة وحصلت علي قرض لعمل ورشة أحذية وفشلت لأنني لم أدفع الرشوة المطلوبة للموظفين ومن يومها وأنا أعمل في البخور لأسدد أقساط القرض وكنت من أول يوم في الثورة طوال ال18 يوما لكن حكومة عصام شرف أسوأ شيء حدث حتي الآن. وبسؤاله ولحمتها أخبارها إيه معاك؟ هز كتفه وقال لما أبقي أدوقها أبقي أقول رأيي.