إذا كانت الرفاهية الزائدة وما يصاحبها من تدخين وتعاط للخمور والسمنة وزيادة الوزن نتيجة الإفراط في تناول مختلف الأطعمة بلا حساب في العديد من الدول المتقدمة والغنية تسبب انتشار السرطان بمعدلات متسارعة. فإن أنياب الفقر والفساد راحت من جانب آخر تنهش المهمشين الذين يعانون سوء التغذية.. فالغذاء أصلا قليل وإذا توفر فالتلوث هو سيد الموقف والمبيدات المسرطنة عنوان الكارثة في مصر. وربما تجتمع علي بلد كمصر جميع الأسباب المؤدية للاصابة بالسرطان باستثناء الخمور. وتشير التقديرات إلي أن السرطان يمثل السبب الثاني في الوفاة في معظم الدول المتقدمة حيث يصل معدل الاصابة إلي400 مريض لكل100 الف من السكان الذكور سنويا, اما في مصر فإن التقديرات تتفاوت والاحصاءات غير دقيقة لكنها تشير إلي أكثر من300 مصاب لكل100 ألف سنويا ويقدر عدد الحالات الجديدة بمائة ألف كل عام. ويرجع ارتفاع المعدلات ظاهريا إلي تقدم وسائل التشخيص والاكتشاف المبكر للمرض مع زيادة الوعي الصحي وتوافر التقنية الحديثة حيث كان في الماضي لايتم اكتشاف المرض ويحمله المريض ويموت به دون أن يتم اكتشافه. أما الأسباب العامة فيحصرها المراقبون والدراسات الحديثة في انتشار الملوثات البيئية والتدخين الذي يسبب سرطانات الرئة والبلعوم بالاضافة إلي البلهارسيا والمواد الحافظة والهرمونات التي تضاف للأطعمة المصنعة وتزايد استخدام المبيدات الحشرية في المحاصيل الزراعية. يشار في هذا الصدد إلي أن نسبة إصابة المصريين بفيروس سي المسبب لسرطان الكبد هي الأعلي في العالم كله, كما ارتفعت نسبة الوفيات الناجمة عن سرطان الكبد في مصر من4% عام1993 إلي11% عام2009 ويتضاعف حجم الكارثة بسبب عدم تمكن ملايين المصريين من تغطية تكاليف علاجهم. كما تبدو للكارثة زاوية أخري حيث العديد من الفقراء يموتون بسبب سرطان الكبد دون ان يعرفوا حقيقة مرضهم بينما تشير الأرقام التي تم حصرها إلي أن أكثر من40 ألف شخص يمرتون في مصر سنويا بسبب سرطان الكبد. اللافت في هذا السياق ان نسبة الإصابة بفيروس سي والتدخين معا وراء40% من الاصابة بمرض السرطان بين المصريين الذين يحرقون سنويا نحو25 مليار سيجارة بما يجعل مصر تحتل المركز ال19 عالميا بين الدول الأكثر تدخينا. وتأتي الإصابة بسرطان الثدي في المرتبة الأولي في العالم العربي خاصة في مصر ودول المغرب العربي وشمال إفريقيا. ومن لطف القدر ان السرطان لايعد مرضا معديا لعدم وجود جرثومة مسببة له يمكن ان تنتقل من شخص مريض إلي آخر سليم. كما لم يثبت بشكل قاطع وجود عامل وراثي يؤدي إلي الإصابة بالسرطان إلا ان هناك عوامل وراثية قد يؤدي وجودها إلي زيادة استعداد الفرد للاصابة ببعض أنواع الأورام. وإلي جانب تلك الاسباب جاءت جريمة استخدام القنابل العنقودية الفوسفورية في الحرب الأمريكية علي العراق لتزيد معدلات الاصابة بسرطان الدم أربعة أضعاف. اما تقارير منظمة الصحة العالمية فقد حذرت من خطورة تزايد أعداد الإصابات بالامراض السرطانية في الدول العربية وذلك في ضوء تزايد نسبة التلوث البيئي في المنطقة. ويبدو أن الجهد الأكبرفي هذا الصدد يجب أن يتجه نحو محاربة الفساد الذي وفر علي سبيل المثال بيئة صالحة لانتشار المبيدات والزراعات المسرطنة في مصر علي مدي الثلاثين عاما الماضية. مصير الفقراء في مقابل هذا وبينما تبدو الأمور في الدول النامية أفضل نسبيا من حيث معدلات الاصابة إلا أن القراءة الدقيقة لظروف تلك الدول ومستويات الرعاية الصحية تكشف عن مستقبل محفوف بالمخاطر حيث يتوقع أن يصل نصيبها من الإصابة إلي أكثر من60% بحلول عام2020 و70% بحلول.2030 ومايزيد الأمر سوءا أن الدول النامية ومن بينها الدول العربية بطبيعة الحال, غير مستعدة لمواجهة الأزمة. وتؤكد المنظمة الدولية لعلاج السرطان ان الدول النامية لاتمتلك البنية التحتية اللازمة للمكافحة او تشخيصه في وقت مبكر أو توفير علاج علي المدي الطويل. وتشير المنظمة إلي أنه بينما تكون هناك فرصة تصل نسبتها إلي84% في الولاياتالمتحدة لتعيش مريضة سرطان الثدي خمس سنوات أخري, فإن هذه النسبة لاتتعدي12% في جامبيا علي سبيل المثال. وتبلغ معدلات شفاء الأطفال من المرض75% في الدول المرتفعة الدخل لكنها لاتتجاوز10% او15% في الدول النامية. يضاف إلي هذا أن المنطقة العربية بالكامل تعاني مشكلة معقدة, حيث مازالت تستورد المعلومات والبروتوكولات العلاجية من الغرب, وتطبقها كما هي دون دراسة, خاصة فيما يتعلق بالأورام السرطانية وهو الأمر الذي يجعل اكتشاف السرطان في المنطقة العربية متأخرا للغاية ومن ثم تكون نسبة الشفاء ضعيفة. ونظرا لأن نسبة الإصابة في المنطقة العربية أقل بمقدار النصف تقريبا عن الدول الغربية فإنه بالامكان برأي الخبراء الهبوط بتلك المعدلات أكثر وأكثر إذا نجحت حملات مكافحة التدخين والقضاء علي تلوث البيئة فضلا عن الاستفادة من تقنيات حديثة لاكتشاف المرض مبكرا وعلاجه.