رغم انه لم يكد يمر علي افتتاح التطوير بميدان الجيزة اكثر من عام ونصف العام تقريبا18 شهرا فإن الميدان الذي يعد واحدا من أكثر ميادين مصر حيوية واستخداما من قبل الملايين من الموطنين الذين لم يهنأوا بالتطوير حيث عاد تعمه الفوضي والإنفلات الذي ضرب كل مكان وعلا صوت البلطجة تحت سمع وبصر المسئولين. يحكي الدكتور جورج صيدلي بإحدي صيدليات الميدان كيف أن أكثر من حملة أمنية جاءت للميدان لإعادة معالمه الحضارية التي ضاعت من كثرة وجود الباعة الجائلين في كل مكان وما ينتج عن ذلك من زحام وفوضي وشجار وعراك يصل لمراحل خطيرة أحيانا, سواء بين الباعة وبعضهم البعض أو مع أصحاب المحلات أو حتي الزبائن والمواطنين إلا أن قدوم هذه الحملات تلك لم يكن يأتي بنتيجة تستغرق أكثر من ربع أو نصف الساعة عقب قدوم الحملات التي ما ان تنفض حتي يعود كل شئ إلي ما كان عليه, وكأن الباعة يؤكدون أنه لا صوت يعلو فوق صوت الفوضي كأسلوب لفرض الأمر الواقع الذي يريدونه حتي أصبح ميدان الجيزة وكأنه تحول لسوق عشوائية كبيرة. الإهرام المسائي تجول في الميدان وكانت البداية من امام كلية الزراعة بشارع الجامعة الذي لم يختلف عما كان عليه قبل التطوير المزعوم حيث الزحام الشديد نتيجة كون المكان موقفا عشوائيا لسيارات الميكروباص والأتوبيس, وبالانتقال إلي قلب الميدان ستجد نفسك بعد معاناة سواء بالسير علي الأقدام أو باستخدام السيارة بالفعل في سوق شعبية كبيرة حيث كل شئ يباع بالميدان فمن الخضروات والفاكهة والخبز والعصائر إلي الأدوات المنزلية مرورا بالملابس والأحذية وغيرها يمكنك أن تجد كل شئ يمكن بيعه وسط إقبال من المواطنين سواء للفرجة أو الشراء. تقول الحاجة فتحية حسين: أشتري من هنا حيث البضاعة أرخص من المحلات ونحن أولي بكل قرش في الظروف الصعبة التي نعيشها. وبسؤالها عن الزحام في الميدان قالت هيعملوا ايه عايزين يأكلوا بالحلال أحسن من السرقة والزحام موجود في كل مكان وإذا كانت الحكومة عايزة تعمل الصح تشوف لهم مكان تاني يسترزقوا منه ويرحموا الناس من غلاء أسعار المحلات ليخففوا عن الناس في الأيام المفترجة واحد من آثار التطوير علي الميدان كان وجود أنفاق للمشاة لتخفيف الزحام فوق الميدان ولكن بنظرة سريعة وجدنا ملامح للإهمال متمثلة من تعطل المصاعد الكهربائية رغم قلة الاستخدام وكأن المواطنين أيضا أعلنوا عصيانهم ورغبتهم في فرض وجودهم فوق الميدان أيضا. نصر الدين حسين محام قابلناه خارجا من النفق حيث أكد ان التطوير مفيد ومهم لكن المشكلة في الزحام الشديد والعشوائية الكبيرة التي نتج عنها منظر غير حضاري لميدان الجيزة الذي يستغرق المرور به أوقاتا طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلي مأساة وبخاصة إذا كانت هناك حالة مرضية أو غيرها تستلزم الإنقاذ السريع وذلك بسبب السلوكيات الخاطئة للمواطنين وعدم قيام الأجهزة المسئولة بدورها في المرور الدوري علي الميدان وتنظيمه وإجراء الصيانة المطلوبة مشيرا إلي أن ظروف الإنفلات في مصر كلها جعلتها تفتقد النظام والأمن. الأسوار الحديدية المنتشرة بأرجاء الميدان كانت أيضا واحدة من علامات التطوير الذي كان حيث رآها المواطنون واحدة من مظاهر رغبة المسئولين في عكننتهم حسب وصف ماريان مدحت التي وجدناها تعبر من إحدي فتحات هذه الأسوار التي أوجدها المواطنون بطريقتهم قائلة نحن من إمبابة وكنا مع جدتي في مستشفي الرمد بالجيزة القريب من الميدان وعند خروجنا أردنا التوجه لاستقلال الأتوبيس للعودة للمنزل ولم نجد أمامنا سوي الأسوار الحديدية وعندما سألنا عن طريقة للعبور أشار لنا البعض علي هذه الفتحة للعبور بدلا من السير والالتفاف حول الميدان لمسافة طويلة في هذا الجو الصعب وفي ظل الزحام الشديد نتيجة كثرة الباعة الموجودين في الميدان. وبالاقتراب من أحد الباعة الذي بدا علي وجهه الغضب الشديد قائلا إحنا مش عارفين انتو عايزينا نعمل ايه بالضبط إحنا بنشتغل ونتاجر عشان نأكل لقمتنا بالحلال ولا عايزينا نشوف طريق تاني لأكل العيش في ظل الظروف الصعبة اللي بنعيشها وخلتنا عملنا ثورة شيلنا بها الحرامية الكبار اللي كانوا ماصين دمنا. وبالحديث معه عن الزحام والفوضي الذي يتسبب فيه وجودهم قال الزحام والفوضي والبلطجة والانفلات موجودة في كل مكان دلوقتي يعني مش احنا السبب واسألوا المسئولين عن فتح السجون وغياب الشرطة ولو عايزين التنظيم وفروا لنا البديل واحنا مش هنقول لأ. هنا تدخل محمد بائع أجهزة منزلية قائلا بعد الثورة عايزين مصر أحسن لكن احنا كمان عايزين نكون أحسن ونفسي في محل محترم أبيع فيه وأكسب لكن ما باليد حيلة فليس أمامي سوي الشارع كبداية في طريق تحقيق أحلامي بالمستقبل والاستقرار. وهنا يكمن التحدي الحقيقي امام أي مسئول لتنفيذ خطة مستقبلية حيث عليه حل المعادلة الصعبة في تحقيق التطوير والتحديث والتنظيم مع مراعاة البعد الاقتصادي وكفالة حياة اجتماعية كريمة للموطنين.